Monday, February 4, 2013

النظام الانتخابي الأصلح للبنان

 



النظام الانتخابي الأصلح للبنان[1]
بقلم الدكتور وليد عبد الرحيم
في العام 2013 ستجري الإنتخابات المقبلة في لبنان. ولتاريخه لم يقر مجلس النواب اللبناني القانون الإنتخابي الذي ستجري بمقتضاه هذه الإنتخابات. وأمام هذا المجلس لتاريخه مشروعان، مشروع وزير الداخلية مروان شربل ومشروع اللقاء الأرثوذكسي. وهذان المشروعان، برأي المتواضع، لا يلبيان طموح اللبنانيين الساعين لإصلاح النظام السياسي في لبنان، والإنتقال بلبنان إلى دولة المواطنة.

أمام هذا الواقع، يطرح السؤال المحوري التالي: أي قانون إنتخابي على لبنان أن يعتمد؟ أجيب على هذا السؤال بالسؤال التالي: أي نظام انتخابي هو الأصلح للبنان؟
سؤال كبير، ليس من السهل الاجابة عليه. فلكل نظام انتخابي حججه ومبرراته، ظروفه ونتائجه، وما يصلح لبلد لا يصلح لغيره، وما يصلح لزمن لا يصلح لزمن آخر. وما هو الأصلح عند البعض، ليس كذلك عند البعض الآخر.

إن استخدام اسم التفضيل "الأصلح" هنا يعني تفضيل نظام انتخابي على غيره من الانظمة. وعملية التفضيل تحكمها عادة في المرتبة الاولى معايير شخصية تؤمن مصالح خاصة، وفي المرتبة الثانية معايير موضوعية تؤمن مصالح عامة. لذا ليس من السهل إقناع الغير بتغيير قناعاتهم والأخذ بقناعات الآخرين، إلا إذا تغلبت المعايير الموضوعية على المعايير الشخصية، فعندها فقط تصبح المصلحة العامة هي أساس التفضيل بين المشاريع، وبين هذه يفضل الذي يؤمن أعلى درجات المصلحة العامة أو أهمها في سلم الاولويات.
ولا ريب أن المصالح العليا للبنان لا تتحقق إلا في وحدة الشعب والارض والمؤسسات. وبالتأكيد لن تتحقق هذه الوحدة إلا في ظل نظام إنتخابي يجمع اللبنانيين، يؤمن الانصهار الوطني، يضمن العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، ويؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية هذا التمثيل. هذه هي الاهداف العليا المنشودة من أي نظام جديد للانتخابات في لبنان. وهذه هي الاهداف التي كرستها إتفاقية الوفاق الوطني، إتفاقية الطائف.[2] فعلى أساس هذه المعايير يجب ان تتم المفاضلة بين الانظمة الانتخابية.
ولا بد لنا قبل عرض النظام الانتخابي الذي هو برأينا الأصلح للبنان، من أن نعرض أولا للأنظمة الانتخابية المعتمدة في العالم، وثانيا للنظام الانتخابي المعتمد في لبنان.

أولا: الأنظمة الانتخابية المعتمدة في العالم

اذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب، فهي لا تتحقق الا من خلال اختيار الحاكمين من قبل المحكومين عن طريق الانتخاب. فالانتخابات هي وسيلة تجسيد الديمقراطية. وتجري الانتخابات وفق انظمة انتخابية تنص عليها القوانين الانتخابية. وهذه الانظمة هي التي تحدد التقنيات والآليات التي على اساسها تتم العملية الانتخابية. فهي تتناول تحديد عدد النواب، وشروط الانتخاب والترشيح، وتحديد الدوائر الانتخابية، واجراءات العملية الانتخابية، والاساس الذي يعتمد لتحديد الفائزين في الانتخابات.
على الرغم من ان للنظام الانتخابي طبيعة تقنية، الا ان خلفيته فلسفية وسياسية، ويستتبع نتائج سياسية مختلفة. فالدساتير نادرا ما تنص على النظام الانتخابي، مما يعني ترك الحرية للسياسيين في السلطة أن يختاروا ويقروا الانظمة الانتخابية التي تتلائم مع مصالحهم.
تتنوع الانظمة الانتخابية المعتمدة في العالم، خاصة فيما يتعلق بطريقة تحديد الفائزين، وفيما يتعلق بتحديد الدوائر الانتخابية. فما هي اذا الانظمة المعتمدة لتحديد الفائزين في الانتخابات النيابية؟ وما هي أنواع الدوائر الانتخابية؟

ألف: أنظمة تحديد الفائزين في الانتخابات
فيما خص الاسس التي تعتمد لتحديد الفائزين في الانتخابات، يمكن تصنيف الانظمة الانتخابية الى نظامين اساسيين: نظام الانتخاب الاكثري أو الاغلبي، ونظام الانتخاب النسبي.

1) في النظام الانتخابي الاكثري يعتبر فائزا المرشح الذي ينال أكثرية الاصوات، حتى ولو كان الفارق صوتا واحدا. ويعتبر هذا النظام الاكثر بساطة والاسهل للفهم، ويؤدي الى نتائج واضحة ومحددة. ولكن لهذا النظام سيئاته. فهو لا يحقق عدالة التمثيل لانه يؤدي الى زيادة في تمثيل الاكثرية واضعاف نسبة تمثيل الاقلية.
ويرتبط هذا النظام بالثنائية الحزبية لانه يدعمها ويؤمن استمرارها من خلال استبعاد الاحزاب الصغيرة عن البرلمان. ويمكن اعتماد هذا النظام في الانتخاب على اساس الفرد أو على اساس اللائحة.

2) في النظام الانتخابي النسبي توزع المقاعد النيابية تبعا لنسبة الاصوات التي تم الحصول عليها. ومن حسنات هذا النظام بانه يحقق العدالة في التمثيل، اذ يعطي لكل حزب تمثيلا يتناسب مع قوته العدديه (عدد مؤيديه من الناخبين).
ويتطلب هذا النظام اجراء الانتخابات على اساس اللائحة وبدورة واحدة. واللوائح الانتخابية المعتمدة في النظام الانتخابي النسبي هي على نوعين: اللائحة المقفلة، واللائحة المفتوحة.
أ_ في اللائحة المقفلة يجبر الناخب على اختيار لائحة من اللوائح المتنافسة، دون ان يكون له الحق في استبدال اي اسم فيها، مما يؤدي الى فوز أو خسارة اللائحة بكامل مرشحيها. ويتطلب نظام اللائحة هذه وجود الاحزاب السياسية التي تقوم باختيار مرشحيها وتأليف اللوائح الانتخابية وخوض الانتخابات على اساس البرامج الانتخابية، فيكون للناخب الحرية بالتصويت للحزب الذي يختار.
ب_ في اللائحة المفتوحة (أو المعدلة) يترك للناخب الحرية في اختيار مرشحيه من مختلف اللوائح المتنافسة، فيشكل لائحته على هواه على ان لا يزيد عدد مرشحيه عن العدد الطلوب للائحة. غير أن هذه اللائحة معقدة تقنيا لجهة فرز الاصوات ولجهة تحديد عدد الاصوات التي حصلت عليها كل لائحة.
في النظام الانتخابي النسبي الذي يعتمد اللائحة المقفلة، يتم توزيع المقاعد أولا على اللوائح التنافسة، وثانيا على المرشحين داخل كل لائحة. أولا، يقسم مجموع الاصوات المقترعة على عدد المقاعد المحددة، فنحصل على الحاصل الانتخابي، وبعدها تعطى كل لائحة عددا من المقاعد بعدد الحاصل الانتخابي التي حصلت عليه. ثانيا، توزع المقاعد بين المرشحين داخل كل لائحة حسب تسلسل ورود اسمائهم في اللائحة.
في حال بقاء مقاعد غير موزعة، يتم توزيعها على اللوائح بحسب بقايا اصوات كل منها وفق احدى طريقتين:
1_ طريقة البقايا الكبرى، حيث تعطى المقاعد الباقية للوائح التي حصلت بالتتالي على أكبر عدد من الاصوات الباقية.
2_ طريقة المعدل الاكبر، حيث تعطى كل لائحة مقعدا وهميا اضافة للمقاعد التي حصلت عليها، ثم تقسم الاصوات التي حصلت عليها على عدد المقاعد هذه، وتوزع المقاعد الباقية بالتتالي على اللوائح التي تحصل على المعدل الاكبر.

وهناك طريقة هندت (Hondt) لتوزيع المقاعد االمطلوبة على اللوائح المتنافسة. وتقضي هذه الطريقة بقسمة عدد الاصوات التي حصلت عليها كل لائحة تباعا على عدد المقاعد المطلوبة، ثم توزيع المقاعد على اللوائح بحسب الحواصل الكبرى.
باء: أنواع الدوائر الانتخابية

هناك ثلاثة أنواع من الدوائر الانتخابية التي تعتمدها الانظمة الانتخابية في العالم: الدائرة الصغرى (الفردية) المخصصة لمقعد نيابي واحد، والدائرة الوسطى التي تضم عدة مقاعد، والدائرة الكبرى التي تضم كل المقاعد النيابية على صعيد الوطن.
ان طبيعة النظام السياسي في الدولة وطبيعة تكوين المجتمع هي التي تحدد نوع الدائرة الانتخابية. والدائرة الانتخابية تضيق أو تتسع بحسب الهدف السياسي الذي تسعى السلطة الى تحقيقه من خلالها. فاذا كان الهدف التقريب بين الناخبين والمرشحين وانشاء علاقات مباشرة بينهم تسهيلا لعملية اختيار الناخبين للمرشحين ولعملية مراقبة الناخبين لممثليهم ومحاسبتهم، تكون الدائرة الفردية هي الانسب. غير أن للدائرة الفردية سيئات كثيرة. من هذه السيئات: تغليب الاعتبارات والمصالح المحلية والفئوية والشخصية على الاعتبارات والمصالح العامة والوطنية في اختيار النواب، وصول نواب الى المجلس النيابي ينحصر همهم واهتمامهم على ارضاء ناخبيهم ومصالحهم الخاصة وعلى تحقيق منافعهم وأهدافهم الفئوية والخصوصية على حساب مصلحة الوطن ومصلحة جميع المواطنين، الحد أو الغاء دور الاحزاب والقوى السياسية التي تعمل على الصعيد الوطني وفق برامج ومشاريع عامة تخدم مصالح المواطنين جميعا ومصلحة الوطن عامة، افراز مجموعات أهلية منفصلة داخل الوطن يمكن مع مرور الزمن ان تتعصب وتنعزل وتنغلق على نفسها وتتناقض وتتناحر فيما بينها مما يهدد وحدة المجتمع والوطن.
أما اذا كان الهدف تغليب الاعتبارات والمصلحة العامة الوطنية على الاعتبارات الشخصية والمصالح المحلية والفئوية، وتعزيز الصراع السلمي والديمقراطي بين المبادئ والافكار والمشاريع الوطنية، والحفاظ على وحدة الشعب والوطن، وتعزيز دور الاحزاب السياسية ومشاريعها العامة التي تطال كامل الوطن، فان الدوائر الوسطى والدائرة الكبرى هي الفضلى. ولكن سيئة الدائرة الوسطى أو الدائرة الكبرى بانها تباعد بين المرشحين والناخبين، فينتخب الناخب مرشحين لا يعرفهم ولا علاقة مباشرة معهم.

بعد هذا العرض الموجز للجانب النظري لموضوع الانظمة الانتخابية، نأتي الى النظام الانتخابي المعتمد في لبنان.

ثانيا: النظام الانتخابي المعتمد في لبنان
يرتكز النظام الانتخابي في لبنان، الصادر في 29 أيلول 2008 والذي على أساسه جرت إنتخابات عام 2009، على الاسس التالية:
1_ مجلس نواب مؤلف من 128 نائبا موزعون بين الطوائف، وعلى المناطق والاقضية في كل الدوائر الانتخابية.[3]
2_ دوائر انتخابية متنوعة، منها على أساس القضاء، ومنها على أساس القضائين أو عدة أقضية أو عدة أقضية مع مناطق، ومنها على أساس المنطقة في القضاء.[4]
3_ نظام الانتخاب الاكثري[5]: يعتبر فائزا في الانتخابات من ينال العدد الاكبر من أصوات المقترعين في الدائرة من بين المرشحين عن الطائفة ذاتها وعن القضاء ذاته أو المنطقة في حدود المقاعد المخصصة لكل طائفة في هذا القضاء او المنطقة.
4_ حق الناخب بان يقترع لعدد من المرشحين يساوي عدد المقاعد المخصصة لكل لدائرة.[6]
إن هذا النظام الانتخابي الذي على أساسه جرت انتخابات عام 2009، لم يختلف في مرتكزاته الرئيسية عن الانظمة الانتخابية التي إعتمدها لبنان منذ الاستقلال. فالنظام الانتخابي الاكثري القائم على توزيع النواب بين الطوائف والمناطق، وعلى أساس الدوائر الانتخابية التي تتراوح ما بين الدائرة الصغرى (القضاء) والدائرة الوسطى (المحافظة و المحافظتين) بقي النظام المعتمد في لبنان في جميع الانتخابات التي جرت منذ العام 1943.
ولا ريب أن الانظمة الانتخابية التي اعتمدها لبنان حتى تاريخه قد انحرفت عن المبادئ التي كرستها نصوص الدستور اللبناني ونصوص المواثيق الدولية التي التزم بها لبنان، خاصة الاعلان العالمي لحقوق الانسان. فهذه الانظمة قد قيدت الانتخابات النيابية بقيود طائفية هدرت مبادئ الديمقراطية، وأعابت التمثيل والتعبير الشعبيين، وشوهت الحياة السياسية في مضمونها ولغتها ووسائلها، وميزت بين المواطنين بسبب انتمائهم الديني والطائفي، فسلبتهم حقهم في المساواة والزمتهم بالالتحاق بطوائفهم ذات النسب المتفاوتة في التمثيل النيابي.
وقد أدت هذه الانظمة الى تعطيل الحياة الديمقراطية في لبنان، فانبثاق المؤسسات الدستورية ارتكزت على تقسيمات طائفية، وقاعدة التمثيل الديمقراطي استعيض عنها بتمثيل الاقطاع الطائفي- السياسي. وهي أيضا أدت الى اذكاء التفرقة والتناقض والتناحر بين فئات الشعب الواحد، والى عجز النظام السياسي عن حل المشكلات الداخلية ومواجهة التحديات الخارجية.

وعلى الرغم من إدرك الجميع ومنذ اليوم الاول للاستقلال أن الطائفية هي سبب محن وويلات لبنان، وهذا ثابت في تعهد الحكومة والمجلس النيابي منذ البيان الحكومي الاول في عهد الاستقلال على أن يعملا جاهدين على تنقية الديمقراطية من الطائفية، وفي ما ورد في هذا البيان على "إن الساعة التي يمكن فيها الغاء الطائفية هي ساعة يقظة وطنية شاملة مباركة في تاريخ لبنان. وسنسعى لكي تكون هذه الساعة قريبة بإذن الله"،[7] وفي البينات الوزارية والتصريحات السياسية ونضالات الاحزاب والقوى الشعبية والمفكرين التي لم تنفك تشجب الطائفية وتدعو الى الغائها، فان الطائفية كانت تزداد رسوخا في الدولة والمجتمع حتى أنها احتلت النظام كله، فاضحى النظام أسيرها ورهينتها. واصبحت بالتالي الحياة السياسية في لبنان محكومة بديمقراطية مقيدة باعتبارات التوازن الطائفي والمذهبي، وبانظمة انتخابية تؤمن هيمنة اصحاب النفوذ الطائفي والاقطاعي والعائلي، فأسرت ارادة المواطن، ترشيحا وانتخابا، في هذه اللأطر المتخلفة، وكبلت خيارات الدولة، وباعدت بين ابناء الشعب الواحد، وأحدثت فرزا خطيرا في توزع سكان لبنان.[8]

هذه هي مساوئ النظام الانتخابي المعتمد في لبنان. لذا لا يعقل ان يبقى هذا النظام على حاله. فالمطلوب نظام انتخابي جديد يحقق وحدة لبنان أرضا وشعبا، ويؤمن الانصهار الوطني والعيش المشترك بين اللبنانيين. وهذا لن يتحقق الا في ظل نظام انتخابي خارج القيد الطائفي، وقائم على النظام الانتخابي النسبي واللوائح المقفلة. هذا هو النظام الانتخابي الاصلح للبنان. وهذا هو النظام الانتخابي الذي نقترحه.

فما هو إذا النظام انتخابي الأصلح للبنان؟
ثالثا: النظام الإنتخابي الأصلح

إن مساوئ النظام الانتخابي المعتمد في لبنان، والتي جاء ذكرها فيما تقدم هي الاسباب الموجبة لأعتماد نظام إنتخابي جديد بعيد عن أنظمة الإنتخابية التي أعتمدت حتى الأن في لبنان . إن قانونا يقيد الانتخابات النيابية بالطائفية سيفاقم الوضع سوءا، وأن المطلوب هو قانون انتخابات نيابية صحيح يمكنه أن يحدث نقلة نوعية في المجتمع والدولة ويعزز وحدتهما. وأن وضع قانون غير طائفي للانتخابات النيابية في لبنان يؤمن هذه الوحدة ويحقق التنافس الراقي للخدمة السياسية والوطنية العامة بات أمرا ملحا تمليه وثيقة الطائف والدستور اللبناني.

فما هي مضامين ومرتكزات مثل هكذا قانون؟ وما هي أسسه الدستورية؟

ألف: مضمون القانون الإنتخابي الأصلح ومرتكزاته الرئيسية

يجب أن يتضمن القانون الأصلح كل الاحكام التي تتضمنها عادة القوانين الانتخابية، خاصة تلك المتعلقة بعدد النواب، بالدوائر الانتخابية، بالدعوة للانتخاب، بشروط الناخب، بشروط المرشح وتقديم طلب الترشيح، بالقوائم الانتخابية، وبالاعمال الانتخابية. فالقانون الأصلح يجب أن يتضمن الأسس العامة الرئيسية التالية:
1_ مجلس نيابي مؤلف من 128 نائبا، ينتخبون لولاية مدتها أربعة سنوات.
2_ توزيع المقاعد النيابية خارج أي قيد أو معيار طائفي أو مناطقي.
3_ إعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة.
4_ إعتماد نظام التمثيل النسبي، مع توزيع الكسر الناتج (البقايا) على أساس الكسر الاعلى (البقايا الكبرى) بالتتالي، وتوزيع المقاعد داخل اللائحة بحسب تسلسل أسماء المرشحين فيها.
5_ إعتماد نظام الاقتراع العام والسري على درجة واحدة.
6_ إعتماد سن الثمانية عشر للاقتراع.
7_ إعتماد البطاقة الانتخابية المخرمة.
8_ اعتماد نظام لوائح المرشحين المقفلة التي تؤلفها الاحزاب كل بمفرده أو بالاتفاق مع حزب آخر أو أكثر أو مع أفراد مرشحين أو مع كل هولاء، أو يؤلفها الافراد فيما بينهم.
9_ منع تأليف اللوائح من لون ديني أو طائفي واحد، ومنع أن يتعاقب فيها مباشرة اسماء مرشحين من دين واحد أو من طائفة واحدة. ومنع الاشارة في الترشيح أو اللائحة الى دين المرشحين أو طوائفهم.
10_ إعتماد نظام البرنامج الانتخابي لكل لائحة، الذي يتضمن الخطة الشاملة للحزب أو الائتلاف التي يراها كفيلة بالنهوض بلبنان، والتي على أساسها يدعو الناخبين لانتخابه.
11_ ضبط الدعاية والاعلان الانتخابي والمصاريف الانتخابية.


ويجب على القانون بما يتضمنه من نصوص وأحكام أن يحقق ما يلي:
1_ تعزيز الانصهار الوطني وتأمين العيش المشترك ووحدة الارض والشعب والمؤسسات.
2_ تعزيز دور الاحزاب القائمة، واتاحة الفرصة لانشاء أحزاب جديدة تطويرا للعمل الوطني والسياسي واشراكا للمواطنين في الخيارات والبرامج والمواقف في مناحي الحياة العامة ومواضعها ومشاكلها.
3_ تمثيل كل الخيارات السياسية في الندوة البرلمانية، حيث يستطيع الجميع التعبير عن أرائهم داخل الاطر الدستورية المسؤولة في جو من الصراع الحر السلمي، وفي المشاركة في صنع القرار الوطني، مما يجنبهم اللجوء الى الصراعات والعنف.
باء: الاسس الدستورية لهكذا قانون
إن المرتكزات الرئيسية لمثل هكذا قانون والمتعلقة بالغاء الطائفية السياسية، وبتوزيع المقاعد النيابية خارج القيد الطائفي، وبجعل لبنان كله دائرة انتخابية واحدة، تستند الى الاسس الدستورية المكرسة في وثيقة الطائف وفي الدستور اللبناني.
فالفقرة (ز) من البند (2) من وثيقة الطائف قد أعلنت بان "الغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية"، وطالبت المجلس النيابي باتخاذ "الاجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية" لالغاء الطائفية السياسية. وكرست الفقرة (ح) من مقدمة الدستور هذا الهدف الوطني الاساسي، بحرفية النص الذي ورد في اتفاقية الطائف. كما وكرست المادة 95 من الدستور ما طالبت به اتفاقية الطائف من المجلس النيابي. فالغاء الطائفية السياسية هو اذا هدف دستوري يقتضي العمل على تحقيقه.
والمادة 24 من الدستور قد نصت على أنه "والى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي توزع المقاعد النيابية وفق القواعد الأتية: أ- بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين. ب_ نسبيا بين طوائف كل من الفئتين. ج_ نسبيا بين المناطق." فهذه المادة تعتبر ان التوزيع الطائفي للمقاعد هو توزيع مؤقت يجب على المجلس النيابي أن يتجاوزه الى "قانون انتخاب خارج القيد الطائفي". فالدستور اذا يتيح وضع قانون انتخاب لاطائفي من قبل المجلس النيابي، دون حاجة لأي تعديل في احكامه.
بخصوص الدائرة الانتخابية، لم يرد في الدستور أي نص يتعلق بها، كما جاء في اتفاقية الطائف التي حددت النبذة (4) من الفقرة (أ) من البند (2) فيها أن "الدائرة الانتخابية هي المحافظة". إن الدستور باغفاله المقصود مثل هذا النص إما أن يكون قد ترك الباب مفتوحا لاعتماد أي دائرة انتخابية تؤمن غاية اخراج قانون الانتخاب من القيد الطائفي، أو اعتبر ضمنيا أن تحديد الدائرة الانتخابية بالمحافظة كما ورد في الاتفاقية يشكل فقط الحد الادنى الذي "يؤمن الانصهار الوطني" و "الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الارض والشعب والمؤسسات" ويؤمن "صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل" التي تبقى هي القواعد الالزامية والاهداف الاساسية والعليا المنشودة من أي قانون جديد للانتخابات وللتقسيم الاداري، وهذه القواعد هي ما أكدت عليها اتفاقية الطائف في النبذة (3) من الفقرة (أ) و الفقرة (ج) من البند (3). ولا ريب اذا أن الدستور يتيح المجال لاعتماد لبنان كله دائرة انتخابية واحدة لأن في ذلك ما يؤمن أعلى درجات الانصهار الوطني، والحفاظ على العيش المشترك، وترسيخ وحدة الارض والشعب، وتأمين صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب اللبناني وأجياله وفعالية التمثيل.
استنادا الى ما تقدم يتبين أن هكذا قانون يستند في مضامينه ومرتكزاته وقواعده الى نصوص الدستور اللبناني ووثيقة الطائف.

الخاتمة:
إن القوانين الانتخابية التي اعتمدت في لبنان منذ الاستقلال وحتى اليوم، والتي إستحكمت فيها الطائفية السياسية لم تعزز الوحدة الوطنية، ولم تساعد المواطن اللبناني على تجاوز الطائفية، بل أغرقته في المستنقع الطائفي ورمت به الى الهاوية المذهبية، وجعلت اللبناني ينتخب على أساس المنفعة الفردية أو العائلية أو الطائفية. والدوائر الانتخابية، كبرت أو صغرت، لم تؤد إلا الى إعادة إنتاج القوى الطائفية ذاتها، والى تعويم أصحاب النفوذ الطائفي والاقطاعي والمالي.
فبمثل هكذا قوانين لا تنتصر مبادىء ونظريات، ولا يتحقق التغيير والإصلاح في لبنان، ولن يكون للإنتخابات أي قيمة ديمقراطية على الاطلاق لعدم استكمال شروط الديمقراطية. لذا، لا مناص من إعلان حال الطلاق مع كل قواعد النظام الطائفي، والأخذ بقواعد نظام المواطنة. إن قانون انتخاب جديد ذو المضامين والأسس التي ذكرناها يمكن أن يشكل مدخلا سياسيا الى إصلاح هو أولوية الاولويات في لبنان.


[1] بعض هذه الدراسة جزء من محاضرة ألقيتها في ورشة عمل بعنوان "البلديات واللامركزية الإدارية وقانون الإنتخابات النيابية" تنظيم المركز الوطني للإحصاء والتوثيق والبحوث الإنمائية بالتعاون مع نقابة المحامين في طرابلس، طرابلس 13 و14 كانون الأول 2002. وبعض المقترحات هنا مقتبسة من إقتراح القانون الذي قدمته الكتلة القومية باسم الحزب السوري القومي الإجتماعي إلى المجلس النيابي اللبناني عام 1999.
[2] أنظر إتفاقية الطائف، النبذة (3) من الفقرة (أ)، والفقرة (ج)، من البند (3) المتعلقة بالاصلاحات الأخرى.
[3] أنظر المادتين 1 و2 من القانون والجدول المرفق به.
[4] أنظر الجدول المرفق بالقانون.
[5] المادة 1 من القانون.
[6] المادة 89 من القانون.
[7] أنظر البيان الوزاري لحكومة الاستقلال الاولى المقدم بتاريخ 7 تشرين الاول 1943.

النظام الانتخابي الأصلح للبنان

 



النظام الانتخابي الأصلح للبنان[1]
بقلم الدكتور وليد عبد الرحيم
في العام 2013 ستجري الإنتخابات المقبلة في لبنان. ولتاريخه لم يقر مجلس النواب اللبناني القانون الإنتخابي الذي ستجري بمقتضاه هذه الإنتخابات. وأمام هذا المجلس لتاريخه مشروعان، مشروع وزير الداخلية مروان شربل ومشروع اللقاء الأرثوذكسي. وهذان المشروعان، برأي المتواضع، لا يلبيان طموح اللبنانيين الساعين لإصلاح النظام السياسي في لبنان، والإنتقال بلبنان إلى دولة المواطنة.
أمام هذا الواقع، يطرح السؤال المحوري التالي: أي قانون إنتخابي على لبنان أن يعتمد؟ أجيب على هذا السؤال بالسؤال التالي: أي نظام انتخابي هو الأصلح للبنان؟
سؤال كبير، ليس من السهل الاجابة عليه. فلكل نظام انتخابي حججه ومبرراته، ظروفه ونتائجه، وما يصلح لبلد لا يصلح لغيره، وما يصلح لزمن لا يصلح لزمن آخر. وما هو الأصلح عند البعض، ليس كذلك عند البعض الآخر.
إن استخدام اسم التفضيل "الأصلح" هنا يعني تفضيل نظام انتخابي على غيره من الانظمة. وعملية التفضيل تحكمها عادة في المرتبة الاولى معايير شخصية تؤمن مصالح خاصة، وفي المرتبة الثانية معايير موضوعية تؤمن مصالح عامة. لذا ليس من السهل إقناع الغير بتغيير قناعاتهم والأخذ بقناعات الآخرين، إلا إذا تغلبت المعايير الموضوعية على المعايير الشخصية، فعندها فقط تصبح المصلحة العامة هي أساس التفضيل بين المشاريع، وبين هذه يفضل الذي يؤمن أعلى درجات المصلحة العامة أو أهمها في سلم الاولويات.
ولا ريب أن المصالح العليا للبنان لا تتحقق إلا في وحدة الشعب والارض والمؤسسات. وبالتأكيد لن تتحقق هذه الوحدة إلا في ظل نظام إنتخابي يجمع اللبنانيين، يؤمن الانصهار الوطني، يضمن العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، ويؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية هذا التمثيل. هذه هي الاهداف العليا المنشودة من أي نظام جديد للانتخابات في لبنان. وهذه هي الاهداف التي كرستها إتفاقية الوفاق الوطني، إتفاقية الطائف.[2] فعلى أساس هذه المعايير يجب ان تتم المفاضلة بين الانظمة الانتخابية.
ولا بد لنا قبل عرض النظام الانتخابي الذي هو برأينا الأصلح للبنان، من أن نعرض أولا للأنظمة الانتخابية المعتمدة في العالم، وثانيا للنظام الانتخابي المعتمد في لبنان.

أولا: الأنظمة الانتخابية المعتمدة في العالم

اذا كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب، فهي لا تتحقق الا من خلال اختيار الحاكمين من قبل المحكومين عن طريق الانتخاب. فالانتخابات هي وسيلة تجسيد الديمقراطية. وتجري الانتخابات وفق انظمة انتخابية تنص عليها القوانين الانتخابية. وهذه الانظمة هي التي تحدد التقنيات والآليات التي على اساسها تتم العملية الانتخابية. فهي تتناول تحديد عدد النواب، وشروط الانتخاب والترشيح، وتحديد الدوائر الانتخابية، واجراءات العملية الانتخابية، والاساس الذي يعتمد لتحديد الفائزين في الانتخابات.
على الرغم من ان للنظام الانتخابي طبيعة تقنية، الا ان خلفيته فلسفية وسياسية، ويستتبع نتائج سياسية مختلفة. فالدساتير نادرا ما تنص على النظام الانتخابي، مما يعني ترك الحرية للسياسيين في السلطة أن يختاروا ويقروا الانظمة الانتخابية التي تتلائم مع مصالحهم.
تتنوع الانظمة الانتخابية المعتمدة في العالم، خاصة فيما يتعلق بطريقة تحديد الفائزين، وفيما يتعلق بتحديد الدوائر الانتخابية. فما هي اذا الانظمة المعتمدة لتحديد الفائزين في الانتخابات النيابية؟ وما هي أنواع الدوائر الانتخابية؟

ألف: أنظمة تحديد الفائزين في الانتخابات
فيما خص الاسس التي تعتمد لتحديد الفائزين في الانتخابات، يمكن تصنيف الانظمة الانتخابية الى نظامين اساسيين: نظام الانتخاب الاكثري أو الاغلبي، ونظام الانتخاب النسبي.

1) في النظام الانتخابي الاكثري يعتبر فائزا المرشح الذي ينال أكثرية الاصوات، حتى ولو كان الفارق صوتا واحدا. ويعتبر هذا النظام الاكثر بساطة والاسهل للفهم، ويؤدي الى نتائج واضحة ومحددة. ولكن لهذا النظام سيئاته. فهو لا يحقق عدالة التمثيل لانه يؤدي الى زيادة في تمثيل الاكثرية واضعاف نسبة تمثيل الاقلية.
ويرتبط هذا النظام بالثنائية الحزبية لانه يدعمها ويؤمن استمرارها من خلال استبعاد الاحزاب الصغيرة عن البرلمان. ويمكن اعتماد هذا النظام في الانتخاب على اساس الفرد أو على اساس اللائحة.

2) في النظام الانتخابي النسبي توزع المقاعد النيابية تبعا لنسبة الاصوات التي تم الحصول عليها. ومن حسنات هذا النظام بانه يحقق العدالة في التمثيل، اذ يعطي لكل حزب تمثيلا يتناسب مع قوته العدديه (عدد مؤيديه من الناخبين).
ويتطلب هذا النظام اجراء الانتخابات على اساس اللائحة وبدورة واحدة. واللوائح الانتخابية المعتمدة في النظام الانتخابي النسبي هي على نوعين: اللائحة المقفلة، واللائحة المفتوحة.
أ_ في اللائحة المقفلة يجبر الناخب على اختيار لائحة من اللوائح المتنافسة، دون ان يكون له الحق في استبدال اي اسم فيها، مما يؤدي الى فوز أو خسارة اللائحة بكامل مرشحيها. ويتطلب نظام اللائحة هذه وجود الاحزاب السياسية التي تقوم باختيار مرشحيها وتأليف اللوائح الانتخابية وخوض الانتخابات على اساس البرامج الانتخابية، فيكون للناخب الحرية بالتصويت للحزب الذي يختار.
ب_ في اللائحة المفتوحة (أو المعدلة) يترك للناخب الحرية في اختيار مرشحيه من مختلف اللوائح المتنافسة، فيشكل لائحته على هواه على ان لا يزيد عدد مرشحيه عن العدد الطلوب للائحة. غير أن هذه اللائحة معقدة تقنيا لجهة فرز الاصوات ولجهة تحديد عدد الاصوات التي حصلت عليها كل لائحة.
في النظام الانتخابي النسبي الذي يعتمد اللائحة المقفلة، يتم توزيع المقاعد أولا على اللوائح التنافسة، وثانيا على المرشحين داخل كل لائحة. أولا، يقسم مجموع الاصوات المقترعة على عدد المقاعد المحددة، فنحصل على الحاصل الانتخابي، وبعدها تعطى كل لائحة عددا من المقاعد بعدد الحاصل الانتخابي التي حصلت عليه. ثانيا، توزع المقاعد بين المرشحين داخل كل لائحة حسب تسلسل ورود اسمائهم في اللائحة.
في حال بقاء مقاعد غير موزعة، يتم توزيعها على اللوائح بحسب بقايا اصوات كل منها وفق احدى طريقتين:
1_ طريقة البقايا الكبرى، حيث تعطى المقاعد الباقية للوائح التي حصلت بالتتالي على أكبر عدد من الاصوات الباقية.
2_ طريقة المعدل الاكبر، حيث تعطى كل لائحة مقعدا وهميا اضافة للمقاعد التي حصلت عليها، ثم تقسم الاصوات التي حصلت عليها على عدد المقاعد هذه، وتوزع المقاعد الباقية بالتتالي على اللوائح التي تحصل على المعدل الاكبر.

وهناك طريقة هندت (Hondt) لتوزيع المقاعد االمطلوبة على اللوائح المتنافسة. وتقضي هذه الطريقة بقسمة عدد الاصوات التي حصلت عليها كل لائحة تباعا على عدد المقاعد المطلوبة، ثم توزيع المقاعد على اللوائح بحسب الحواصل الكبرى.
باء: أنواع الدوائر الانتخابية
هناك ثلاثة أنواع من الدوائر الانتخابية التي تعتمدها الانظمة الانتخابية في العالم: الدائرة الصغرى (الفردية) المخصصة لمقعد نيابي واحد، والدائرة الوسطى التي تضم عدة مقاعد، والدائرة الكبرى التي تضم كل المقاعد النيابية على صعيد الوطن.
ان طبيعة النظام السياسي في الدولة وطبيعة تكوين المجتمع هي التي تحدد نوع الدائرة الانتخابية. والدائرة الانتخابية تضيق أو تتسع بحسب الهدف السياسي الذي تسعى السلطة الى تحقيقه من خلالها. فاذا كان الهدف التقريب بين الناخبين والمرشحين وانشاء علاقات مباشرة بينهم تسهيلا لعملية اختيار الناخبين للمرشحين ولعملية مراقبة الناخبين لممثليهم ومحاسبتهم، تكون الدائرة الفردية هي الانسب. غير أن للدائرة الفردية سيئات كثيرة. من هذه السيئات: تغليب الاعتبارات والمصالح المحلية والفئوية والشخصية على الاعتبارات والمصالح العامة والوطنية في اختيار النواب، وصول نواب الى المجلس النيابي ينحصر همهم واهتمامهم على ارضاء ناخبيهم ومصالحهم الخاصة وعلى تحقيق منافعهم وأهدافهم الفئوية والخصوصية على حساب مصلحة الوطن ومصلحة جميع المواطنين، الحد أو الغاء دور الاحزاب والقوى السياسية التي تعمل على الصعيد الوطني وفق برامج ومشاريع عامة تخدم مصالح المواطنين جميعا ومصلحة الوطن عامة، افراز مجموعات أهلية منفصلة داخل الوطن يمكن مع مرور الزمن ان تتعصب وتنعزل وتنغلق على نفسها وتتناقض وتتناحر فيما بينها مما يهدد وحدة المجتمع والوطن.
أما اذا كان الهدف تغليب الاعتبارات والمصلحة العامة الوطنية على الاعتبارات الشخصية والمصالح المحلية والفئوية، وتعزيز الصراع السلمي والديمقراطي بين المبادئ والافكار والمشاريع الوطنية، والحفاظ على وحدة الشعب والوطن، وتعزيز دور الاحزاب السياسية ومشاريعها العامة التي تطال كامل الوطن، فان الدوائر الوسطى والدائرة الكبرى هي الفضلى. ولكن سيئة الدائرة الوسطى أو الدائرة الكبرى بانها تباعد بين المرشحين والناخبين، فينتخب الناخب مرشحين لا يعرفهم ولا علاقة مباشرة معهم.
بعد هذا العرض الموجز للجانب النظري لموضوع الانظمة الانتخابية، نأتي الى النظام الانتخابي المعتمد في لبنان.

ثانيا: النظام الانتخابي المعتمد في لبنان
يرتكز النظام الانتخابي في لبنان، الصادر في 29 أيلول 2008 والذي على أساسه جرت إنتخابات عام 2009، على الاسس التالية:
1_ مجلس نواب مؤلف من 128 نائبا موزعون بين الطوائف، وعلى المناطق والاقضية في كل الدوائر الانتخابية.[3]
2_ دوائر انتخابية متنوعة، منها على أساس القضاء، ومنها على أساس القضائين أو عدة أقضية أو عدة أقضية مع مناطق، ومنها على أساس المنطقة في القضاء.[4]
3_ نظام الانتخاب الاكثري[5]: يعتبر فائزا في الانتخابات من ينال العدد الاكبر من أصوات المقترعين في الدائرة من بين المرشحين عن الطائفة ذاتها وعن القضاء ذاته أو المنطقة في حدود المقاعد المخصصة لكل طائفة في هذا القضاء او المنطقة.
4_ حق الناخب بان يقترع لعدد من المرشحين يساوي عدد المقاعد المخصصة لكل لدائرة.[6]
إن هذا النظام الانتخابي الذي على أساسه جرت انتخابات عام 2009، لم يختلف في مرتكزاته الرئيسية عن الانظمة الانتخابية التي إعتمدها لبنان منذ الاستقلال. فالنظام الانتخابي الاكثري القائم على توزيع النواب بين الطوائف والمناطق، وعلى أساس الدوائر الانتخابية التي تتراوح ما بين الدائرة الصغرى (القضاء) والدائرة الوسطى (المحافظة و المحافظتين) بقي النظام المعتمد في لبنان في جميع الانتخابات التي جرت منذ العام 1943.
ولا ريب أن الانظمة الانتخابية التي اعتمدها لبنان حتى تاريخه قد انحرفت عن المبادئ التي كرستها نصوص الدستور اللبناني ونصوص المواثيق الدولية التي التزم بها لبنان، خاصة الاعلان العالمي لحقوق الانسان. فهذه الانظمة قد قيدت الانتخابات النيابية بقيود طائفية هدرت مبادئ الديمقراطية، وأعابت التمثيل والتعبير الشعبيين، وشوهت الحياة السياسية في مضمونها ولغتها ووسائلها، وميزت بين المواطنين بسبب انتمائهم الديني والطائفي، فسلبتهم حقهم في المساواة والزمتهم بالالتحاق بطوائفهم ذات النسب المتفاوتة في التمثيل النيابي.
وقد أدت هذه الانظمة الى تعطيل الحياة الديمقراطية في لبنان، فانبثاق المؤسسات الدستورية ارتكزت على تقسيمات طائفية، وقاعدة التمثيل الديمقراطي استعيض عنها بتمثيل الاقطاع الطائفي- السياسي. وهي أيضا أدت الى اذكاء التفرقة والتناقض والتناحر بين فئات الشعب الواحد، والى عجز النظام السياسي عن حل المشكلات الداخلية ومواجهة التحديات الخارجية.
وعلى الرغم من إدرك الجميع ومنذ اليوم الاول للاستقلال أن الطائفية هي سبب محن وويلات لبنان، وهذا ثابت في تعهد الحكومة والمجلس النيابي منذ البيان الحكومي الاول في عهد الاستقلال على أن يعملا جاهدين على تنقية الديمقراطية من الطائفية، وفي ما ورد في هذا البيان على "إن الساعة التي يمكن فيها الغاء الطائفية هي ساعة يقظة وطنية شاملة مباركة في تاريخ لبنان. وسنسعى لكي تكون هذه الساعة قريبة بإذن الله"،[7] وفي البينات الوزارية والتصريحات السياسية ونضالات الاحزاب والقوى الشعبية والمفكرين التي لم تنفك تشجب الطائفية وتدعو الى الغائها، فان الطائفية كانت تزداد رسوخا في الدولة والمجتمع حتى أنها احتلت النظام كله، فاضحى النظام أسيرها ورهينتها. واصبحت بالتالي الحياة السياسية في لبنان محكومة بديمقراطية مقيدة باعتبارات التوازن الطائفي والمذهبي، وبانظمة انتخابية تؤمن هيمنة اصحاب النفوذ الطائفي والاقطاعي والعائلي، فأسرت ارادة المواطن، ترشيحا وانتخابا، في هذه اللأطر المتخلفة، وكبلت خيارات الدولة، وباعدت بين ابناء الشعب الواحد، وأحدثت فرزا خطيرا في توزع سكان لبنان.[8]
هذه هي مساوئ النظام الانتخابي المعتمد في لبنان. لذا لا يعقل ان يبقى هذا النظام على حاله. فالمطلوب نظام انتخابي جديد يحقق وحدة لبنان أرضا وشعبا، ويؤمن الانصهار الوطني والعيش المشترك بين اللبنانيين. وهذا لن يتحقق الا في ظل نظام انتخابي خارج القيد الطائفي، وقائم على النظام الانتخابي النسبي واللوائح المقفلة. هذا هو النظام الانتخابي الاصلح للبنان. وهذا هو النظام الانتخابي الذي نقترحه.

فما هو إذا النظام انتخابي الأصلح للبنان؟
ثالثا: النظام الإنتخابي الأصلح
إن مساوئ النظام الانتخابي المعتمد في لبنان، والتي جاء ذكرها فيما تقدم هي الاسباب الموجبة لأعتماد نظام إنتخابي جديد بعيد عن أنظمة الإنتخابية التي أعتمدت حتى الأن في لبنان . إن قانونا يقيد الانتخابات النيابية بالطائفية سيفاقم الوضع سوءا، وأن المطلوب هو قانون انتخابات نيابية صحيح يمكنه أن يحدث نقلة نوعية في المجتمع والدولة ويعزز وحدتهما. وأن وضع قانون غير طائفي للانتخابات النيابية في لبنان يؤمن هذه الوحدة ويحقق التنافس الراقي للخدمة السياسية والوطنية العامة بات أمرا ملحا تمليه وثيقة الطائف والدستور اللبناني.
فما هي مضامين ومرتكزات مثل هكذا قانون؟ وما هي أسسه الدستورية؟
ألف: مضمون القانون الإنتخابي الأصلح ومرتكزاته الرئيسية
يجب أن يتضمن القانون الأصلح كل الاحكام التي تتضمنها عادة القوانين الانتخابية، خاصة تلك المتعلقة بعدد النواب، بالدوائر الانتخابية، بالدعوة للانتخاب، بشروط الناخب، بشروط المرشح وتقديم طلب الترشيح، بالقوائم الانتخابية، وبالاعمال الانتخابية. فالقانون الأصلح يجب أن يتضمن الأسس العامة الرئيسية التالية:
1_ مجلس نيابي مؤلف من 128 نائبا، ينتخبون لولاية مدتها أربعة سنوات.
2_ توزيع المقاعد النيابية خارج أي قيد أو معيار طائفي أو مناطقي.
3_ إعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة.
4_ إعتماد نظام التمثيل النسبي، مع توزيع الكسر الناتج (البقايا) على أساس الكسر الاعلى (البقايا الكبرى) بالتتالي، وتوزيع المقاعد داخل اللائحة بحسب تسلسل أسماء المرشحين فيها.
5_ إعتماد نظام الاقتراع العام والسري على درجة واحدة.
6_ إعتماد سن الثمانية عشر للاقتراع.
7_ إعتماد البطاقة الانتخابية المخرمة.
8_ اعتماد نظام لوائح المرشحين المقفلة التي تؤلفها الاحزاب كل بمفرده أو بالاتفاق مع حزب آخر أو أكثر أو مع أفراد مرشحين أو مع كل هولاء، أو يؤلفها الافراد فيما بينهم.
9_ منع تأليف اللوائح من لون ديني أو طائفي واحد، ومنع أن يتعاقب فيها مباشرة اسماء مرشحين من دين واحد أو من طائفة واحدة. ومنع الاشارة في الترشيح أو اللائحة الى دين المرشحين أو طوائفهم.
10_ إعتماد نظام البرنامج الانتخابي لكل لائحة، الذي يتضمن الخطة الشاملة للحزب أو الائتلاف التي يراها كفيلة بالنهوض بلبنان، والتي على أساسها يدعو الناخبين لانتخابه.
11_ ضبط الدعاية والاعلان الانتخابي والمصاريف الانتخابية.


ويجب على القانون بما يتضمنه من نصوص وأحكام أن يحقق ما يلي:
1_ تعزيز الانصهار الوطني وتأمين العيش المشترك ووحدة الارض والشعب والمؤسسات.
2_ تعزيز دور الاحزاب القائمة، واتاحة الفرصة لانشاء أحزاب جديدة تطويرا للعمل الوطني والسياسي واشراكا للمواطنين في الخيارات والبرامج والمواقف في مناحي الحياة العامة ومواضعها ومشاكلها.
3_ تمثيل كل الخيارات السياسية في الندوة البرلمانية، حيث يستطيع الجميع التعبير عن أرائهم داخل الاطر الدستورية المسؤولة في جو من الصراع الحر السلمي، وفي المشاركة في صنع القرار الوطني، مما يجنبهم اللجوء الى الصراعات والعنف.
باء: الاسس الدستورية لهكذا قانون
إن المرتكزات الرئيسية لمثل هكذا قانون والمتعلقة بالغاء الطائفية السياسية، وبتوزيع المقاعد النيابية خارج القيد الطائفي، وبجعل لبنان كله دائرة انتخابية واحدة، تستند الى الاسس الدستورية المكرسة في وثيقة الطائف وفي الدستور اللبناني.
فالفقرة (ز) من البند (2) من وثيقة الطائف قد أعلنت بان "الغاء الطائفية السياسية هدف وطني أساسي يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطة مرحلية"، وطالبت المجلس النيابي باتخاذ "الاجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية" لالغاء الطائفية السياسية. وكرست الفقرة (ح) من مقدمة الدستور هذا الهدف الوطني الاساسي، بحرفية النص الذي ورد في اتفاقية الطائف. كما وكرست المادة 95 من الدستور ما طالبت به اتفاقية الطائف من المجلس النيابي. فالغاء الطائفية السياسية هو اذا هدف دستوري يقتضي العمل على تحقيقه.
والمادة 24 من الدستور قد نصت على أنه "والى أن يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي توزع المقاعد النيابية وفق القواعد الأتية: أ- بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين. ب_ نسبيا بين طوائف كل من الفئتين. ج_ نسبيا بين المناطق." فهذه المادة تعتبر ان التوزيع الطائفي للمقاعد هو توزيع مؤقت يجب على المجلس النيابي أن يتجاوزه الى "قانون انتخاب خارج القيد الطائفي". فالدستور اذا يتيح وضع قانون انتخاب لاطائفي من قبل المجلس النيابي، دون حاجة لأي تعديل في احكامه.
بخصوص الدائرة الانتخابية، لم يرد في الدستور أي نص يتعلق بها، كما جاء في اتفاقية الطائف التي حددت النبذة (4) من الفقرة (أ) من البند (2) فيها أن "الدائرة الانتخابية هي المحافظة". إن الدستور باغفاله المقصود مثل هذا النص إما أن يكون قد ترك الباب مفتوحا لاعتماد أي دائرة انتخابية تؤمن غاية اخراج قانون الانتخاب من القيد الطائفي، أو اعتبر ضمنيا أن تحديد الدائرة الانتخابية بالمحافظة كما ورد في الاتفاقية يشكل فقط الحد الادنى الذي "يؤمن الانصهار الوطني" و "الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الارض والشعب والمؤسسات" ويؤمن "صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب وأجياله وفعالية ذلك التمثيل" التي تبقى هي القواعد الالزامية والاهداف الاساسية والعليا المنشودة من أي قانون جديد للانتخابات وللتقسيم الاداري، وهذه القواعد هي ما أكدت عليها اتفاقية الطائف في النبذة (3) من الفقرة (أ) و الفقرة (ج) من البند (3). ولا ريب اذا أن الدستور يتيح المجال لاعتماد لبنان كله دائرة انتخابية واحدة لأن في ذلك ما يؤمن أعلى درجات الانصهار الوطني، والحفاظ على العيش المشترك، وترسيخ وحدة الارض والشعب، وتأمين صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب اللبناني وأجياله وفعالية التمثيل.
استنادا الى ما تقدم يتبين أن هكذا قانون يستند في مضامينه ومرتكزاته وقواعده الى نصوص الدستور اللبناني ووثيقة الطائف.

الخاتمة:
إن القوانين الانتخابية التي اعتمدت في لبنان منذ الاستقلال وحتى اليوم، والتي إستحكمت فيها الطائفية السياسية لم تعزز الوحدة الوطنية، ولم تساعد المواطن اللبناني على تجاوز الطائفية، بل أغرقته في المستنقع الطائفي ورمت به الى الهاوية المذهبية، وجعلت اللبناني ينتخب على أساس المنفعة الفردية أو العائلية أو الطائفية. والدوائر الانتخابية، كبرت أو صغرت، لم تؤد إلا الى إعادة إنتاج القوى الطائفية ذاتها، والى تعويم أصحاب النفوذ الطائفي والاقطاعي والمالي.
فبمثل هكذا قوانين لا تنتصر مبادىء ونظريات، ولا يتحقق التغيير والإصلاح في لبنان، ولن يكون للإنتخابات أي قيمة ديمقراطية على الاطلاق لعدم استكمال شروط الديمقراطية. لذا، لا مناص من إعلان حال الطلاق مع كل قواعد النظام الطائفي، والأخذ بقواعد نظام المواطنة. إن قانون انتخاب جديد ذو المضامين والأسس التي ذكرناها يمكن أن يشكل مدخلا سياسيا الى إصلاح هو أولوية الاولويات في لبنان.


[1] بعض هذه الدراسة جزء من محاضرة ألقيتها في ورشة عمل بعنوان "البلديات واللامركزية الإدارية وقانون الإنتخابات النيابية" تنظيم المركز الوطني للإحصاء والتوثيق والبحوث الإنمائية بالتعاون مع نقابة المحامين في طرابلس، طرابلس 13 و14 كانون الأول 2002.
[2] أنظر إتفاقية الطائف، النبذة (3) من الفقرة (أ)، والفقرة (ج)، من البند (3) المتعلقة بالاصلاحات الأخرى.
[3] أنظر المادتين 1 و2 من القانون والجدول المرفق به.
[4] أنظر الجدول المرفق بالقانون.
[5] المادة 1 من القانون.
[6] المادة 89 من القانون.
[7] أنظر البيان الوزاري لحكومة الاستقلال الاولى المقدم بتاريخ 7 تشرين الاول 1943.