Wednesday, June 4, 2014

بيان الجبهة الوطنية لحماية الدستور والقانون الذي أعلن في مؤتمر صحفي بتاريخ 27/5/2014

الجبهة الوطنية لحماية الدستور والقانون

27/5/2014
 
شغور سدّة الرئاسة وانتخاب الرئيس في ضوء الميثاق والدستور

 

بما ان الفتاوى والاجتهادات الدستورية والقانونية تكثر وتتضارب احيانا كثيرة في المضمون عند كل استحقاق رئاسي، لا سيما ان هذا الاستحقاق هو على تماس مع السياسة وحدّة رهاناتها وحماوة أهوائها ،

 

وبما ان المحظور قد وقع بشغور سدّة الرئاسة نتيجة انتهاء الولاية الرئاسية ليل 24/25 أيار 2014 دون انتخاب خلف للرئيس السابق،

 

وبما انه سبق ان ابدت "الجبهة الوطنية لحماية الدستور والقانون" رأيها في موضوع نصاب الحضور واكثرية التصويت الواجب توافرهما في مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية،

 

وبما ان "الجبهة" مدعوة اليوم، اكثر من اي يوم مضى، الى مواكبة الشغور في سدّة الرئاسة في ضوء الميثاق والدستور، من دون ان تغفل مفاصل اساسية في آلية انتخاب رئيس الجمهوية، لا سيما في ما يتعلق بالمشاركة في جلسات مجلس النواب المنعقدة لانتخاب رئيس الجمهورية، او التغيّب عنها، او التصويت بورقة بيضاء،

 

تصدر "الجبهة"، في ضوء الدراسات والمداولات والتقرير الذي وضعته لجنة مصغرة من اعضائها، الرأي الآتي:

 

اولا- المشاركة والتغيّب والتصويت بورقة بيضاء:  

 

انطلاقا من ان "لبنان جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة..." (الفقرة "ج" من مقدمة الدستور)، وان " عضو مجلس النواب يمثل الامة جمعاء ولا يجوز ان تربط وكالته بقيد او شرط من قبل منتخبيه " (المادة 27 من الدستور)،

 

وبما ان "الجبهة" تعي تماما ان مشاركة النواب في انتخاب رئيس الجمهورية هي واجب وطني، لا سيما حال خلو سدّة الرئاسة، الا انه يبقى للنائب، في ضوء ما سبق، وبمعرض ترجمة اقتناعاته الوطنية بمواقف يتخذها من جلسة الانتخاب او من التصويت فيها، الحق السياسي المحصّن دستورا بنصاب ضمني وموصوف، هو جزئي بطبيعته، بالتغيّب عن جلسة انتخاب الرئيس، او المشاركة فيها، كما التصويت بورقة بيضاء طالما ان الغالبية المفروضة لإنتخاب رئيس الجمهورية هي الغالبية المطلقة من عدد اعضاء مجلس النواب الأحياء، على ما ورد في توصية اقرّتها اللجان المشتركة في مجلس النواب في اول شباط 1980 في معرض تفسير مفهوم "الغالبية المطلقة من مجموع  الاعضاء الذين يؤلفون المجلس قانونا" كما هي واردة  في المادة 57 من الدستور،

 

وبما ان ما يعزز الحق السياسي بالتغيب هو مفهوم النصاب Quorum الذي يعرّف عنه كالتالي:

  Nombre de membres dont la présence est nécessaire pour qu’une assemblée… puisse valablement siéger.”

Lexique des termes juridiques- Définition du mot “Quorum”- Dalloz- 1978

 

اي ما تعريبه : عدد الاعضاء المطلوب حضورهم كي تتمكن هيئة ما من الانعقاد صحيحا، ما يعني ان النص الدستوري عن نصاب ضروري، سواء كان صريحا او مضمرا او ضمنيا، يتنافى حكما والزامية الحضور والمشاركة في جلسات انتخاب الرئيس،

 

وبما ان اي قول معاكس او اعتراض اوتحفظ يبديه البعض، من ان النصاب المطلوب يمكن ان لا يتوافر، ما يفوّت فرصا متاحة لإنتخاب رئيس الجمهورية، وان فقدان النصاب قد يعود الى سوء ارادة او دواع محض سياسية للنواب المتغيبين عمدا عن الجلسات هذه، فهو قول او اعتراض او تحفظ لا يستقيم، ذلك انه يمكن لمجلس النواب، لا بل يجب عليه عقد جلسات متلاحقة، وقد تكون متوالية، حتى بلوغ النصاب المطلوب، ما يسهل الانتقال الى التصويت بمعرض الانتخاب،

-      لطفا مراجعة :

Edmond Rabbath, La Constitution Libanaise- Origines, textes et commentaires- 1982- p. 305-306- Annotations no 3.

 

اضافة الى كل ذلك، ترى "الجبهة" ان المنافسة الانتخابية قد تستحيل معركة نصاب اذا رأى النائب باستنسابه او شعر ان ثمة حلولا فوقية او توجهات او تسويات من شأنها مناهضة الميثاق الوطني عن طريق الاتيان برئيس للجمهورية لا تتوافر فيه مواصفات المادة 49 من الدستور، ما يخل بالمشاركة الفعلية بين مكونات الوطن في صناعة القرار الوطني على جميع المستويات، فليجأ النائب الى الآليات والوسائل التي يتضمنها الدستور ذاته للتصدي لهذه المحاولات والسياسات، ومنها النصاب. ان حضور جميع النواب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لا يكفي بذاته لانتخاب الرئيس، ليس فقط من منطلق توافر او عدم توافر اكثرية التصويت التي يفرضها الدستور، اي الغالبية المطلقة من عدد اعضاء مجلس النواب كما اسلفنا، بل من منطلق الميثاق، ما يعني انه في حال كان البعد الميثاقي في انتخاب الرئيس منتفيا، بالمفهوم الذي سنشرح ادناه، يصبح مجلس النواب مقيدا بالفقرة "ي" من مقدمة الدستور التي تنص على ان لا شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.

 

 

 

ثانيا-  الشغور في سدة الرئاسة وانتخاب رئيس للجمهورية تتوافر فيه المواصفات الميثاقية:

 

ترى "الجبهة"، في هذا المحور، ان قيام المشرع الدستوري بالتصدي لخلو سدة الرئاسة في مادتين من الدستور، اي المادة 62، التي تنص على انه : "في حال خلو سدة الرئاسة لأية علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء"، والمادة 74 التي تنص على انه:" اذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته او سبب آخر (كانتهاء الولاية مثلا) فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فورا بحكم القانون... "، اي بقوة الدستور، لا يكفي لانتظام عمل السلطات والمؤسسات في ظل هذا الشغور في الموقع الاول في الدولة، ذلك ان هذا الشغور يمس الصيغة والميثاق معا:

 

1- في "صيغة 1943":

 

الجميع من اصحاب الاختصاص يعرف "بوجود الكثير من المبادىء غير المكتوبة، وهي اهم من الدستور"، قاصدا في ذلك المبادىء العرفية التي تسمو الدستور Principes supra constitutionnels، والجميع في لبنان يعرف ويجمع على ان دولة الاستقلال (1943) ومن ثم نظام جمهورية الطائف انما يندرجان تحت سقف ما يسميه اصحاب الرأي الدستوري "صيغة 1943"، اي ذاك الميثاق الذي توافق عليه اللبنانيون عند قيام وطنهم المستقل ومن ضمنه ان توزع رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة، على المذاهب الكبرى الثلاث، الموارنة والشيعة والسنّة. ان ما يعزز هذا التوزيع ويكرسه ويجعل منه اتفاقا كيانيا ان اتفاق الطائف الذي ارسى نظام حكم جديدا لم يمس به ولم يلامسه، بل اتت تعديلاته جميعها تحت سقفه. هذا يعني ان اي خلل في هذه الصيغة خارج اجماع اللبنانيين من ضمن ميثاق جديد للحكم ينظم حياتهم العامة المشتركة وشؤون النظام الذي يرتضونه، انما يحدث خللا بنيويا في كيان الدولة ووحدة الشعب والارض والمؤسسات. لذلك لا يمكن، في المرحلة الانتقالية الراهنة التي يشير اليها الدستور في اكثر من موقع في متنه، تصوّر رئاسة الجمهورية معقودة اللواء للفراغ او لغير ماروني، وهكذا بالنسبة لرئاسة مجلس النواب (شيعي) ورئاسة الحكومة (سنّي).

 

2- في "وثيقة الوفاق الوطني":

 

تنص الوثيقة، التي اقتبس منها الدستور مقدمته حرفيا، تلك المقدمة التي تؤلف مع الدستور وحدة لا تتجزأ وتتمتع مندرجاتها بقوة احكامه التي تفسّر في ضوئها، ان لبنان وطن سيد حر مستقل ونهائي لجميع ابنائه، واحد ارضا وشعبا ومؤسسات، وانه جمهورية ديموقراطية برلمانية، وان الشعب مصدر السلطات يمارسها عبر المؤسسات الدستورية، وان النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها وان لا شرعية لاي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.

 

اضافة الى ذلك، ورد في وثيقة الوفاق الوطني، تكرارا ومن باب التوكيد، ان "الدولة اللبنانية دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزية قوية".

وبما انه يتبين من الرجوع الى محضر اقرار هذه الوثيقة في مجلس النواب (الدور التشريعي السابع عشر، العقد العادي الثاني 1989، محضر الجلسة الثانية المنعقدة يوم الاحد الواقع فيه 5 تشرين الثاني 1989) انه قد تم توصيف وثيقة الوفاق الوطني بأنها "عقد وطني ملزم لنا معنويا وسياسيا، ونحن نوافق عليها كوثيقة سياسية لها مدلولاتها ومعانيها وابعادها الدستورية ولها نتائجها فيما بعد"،

 

وبما ان كل ذلك يعني ان وثيقة الوفاق الوطني، ومبادىء مقدمة الدستور، قد حرصت على تحصين الوطن اللبناني  وتوفير مناعة ذاتية له ضد المخاطر التي قد تتهدده (تجزئة- تقسيم- توطين- مناهضة الميثاق- طغيان سلطة على اخرى- زعزعة النظام والاستقرار الامني - عدم توازن الانماء ...)، وذلك تحت عنوان الشراكة الفعلية في حياتنا العامة، ومن منطلق وحدة الارض والشعب والدولة المركزية القوية وموقع رئيس الجمهورية ورمزيته ومواصفاته، وهو الرئيس الذي يحلف، دون سواه من رؤساء السلطات ، اليمين الدستورية بالاخلاص لدستور الامة اللبنانية وقوانينها والحفاظ على استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه (المادة 50 من الدستور)،

 

 تسأل "الجبهة" بحق كيف نبلغ هذا المبلغ من قوة الوطن اللبناني ووحدته ومنعته وديموقراطيته الميثاقية في حال شغرت رئاسة الجمهورية بانتهاء الولاية ولم يتبوأ رئيس ماروني هذا الموقع، وتتفهم كليا الحرص الشديد الذي أبدي لتفادي الشغور في سدّة الرئاسة واستمرار هذا الحرص مزخما وقد حصل هذا الشغور، وذلك من المنطلقات كلها هذه.

 

ثالثا- الشغور في سدّة الرئاسة وصلاحيات رئيس الجمهورية:

 

ترى "الجبهة" ان الشغور في سدّة الرئاسة بانتهاء الولاية الرئاسية وعدم انتخاب خلف لرئيس الجمهورية، يوجب تطبيق المادة 62 من الدستور لجهة ايلاء صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء.

 

وبما انه من الواجب والحق التساؤل عن مدى هذه الوكالة ومضمونها، من منطلق ان هذا التفويض الدستوري هو استثناء صريح لمبدأ عدم جواز تفويض الصلاحيات الدستورية، وان الوكالة هي بتعريفها وطبيعتها مؤقتة، حتى بغياب الاصيل، وان الاصالة في موقع الرئاسة انما هي من المرتكزات الميثاقية لنظامنا السياسي على ما اسلفنا،

 

وبما ان الاستثناء يفسر حصرا، على ما هو المبدأ المعتمد في تفسير الدستور والقانون عامة،

 

وبما ان الصلاحيات الدستورية لرئيس الجمهورية في معظمها، صلاحيات لصيقة بشخص الرئيس Attributions constitutionnelles conférées intuitue personae au Président de la République (ou  pouvoirs propres)  ومرتكزها موقع الرئيس ورمزيته واليمين الدستورية التي يقسم عند قبضه على مقاليد الحكم، على ما ورد في المادتين 49 و50 من الدستور، وفي بعضها الآخر صلاحيات عادية بالتعاون. (pouvoirs partagés)

 

لذلك ترى "الجبهة" ان مجلس الوزراء الذي يمارس وكالة صلاحيات رئيس الجمهورية حال خلو سدّة الرئاسة، انما يمارسها بصورة انتقالية ومؤقتة وبحدود الصلاحيات التي تمكّن مجلس الوزراء، الذي ناط به الدستور السلطة الاجرائية، من ممارسة صلاحياته الاجرائية تلك تسييرا لشؤون البلاد والعباد دون ملامسة الصلاحيات اللصيقة بشخص الرئيس وفقا لما سبق، لا سيما ان النص الدستوري لم يحدد، بصورة عامة او خاصة، صلاحيات الرئيس التي يمكن لمجلس الوزراء ممارستها وكالة عند خلو سدّة الرئاسة،

 

كما ترى "الجبهة" انه من الطبيعي والمنطقي والميثاقي في آن ان تخرج عن صلاحيات الوكيل الاعمال التي من شأنها ان تحوّل الوكالة، من طبيعتها المؤقتة والاستثنائية، الى حالة مستدامة وعادية، ما يجعل من شغور الرئاسة امرا عابرا وغير ذي شأن أو أثر، ما يتنافى كليا ومقتضيات الصيغة  والميثاق التي استفضنا في شرحها اعلاه.

 

وعليه، ترى "الجبهة" انه لا يسع مجلس الوزراء، الذي يمارس وكالة صلاحيات رئيس الجمهورية في حال خلو سدّة الرئاسة، ان يتقدم بمراجعة لدى المجلس الدستوري طعنا بدستورية قانون صادر عن مجلس النواب (ما يفترض ان يكون القانون قد اقر قبل خلو سدّة الرئاسة على ما سنبيّن)، او ان يصدر مرسوما بقبول استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة، او يجري مشاورات نيابية لتسمية رئيس الحكومة المكلّف، او يصدر مرسوما بتسميته، او يصدر بالاتفاق مع رئيس الحكومة مرسوما بتشكيل الحكومة، او بقبول استقالة وزير وتعيين بديل منه، او يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية، او اعتماد السفراء او قبول اعتمادهم، او منح الاوسمة، او توجيه رسائل الى مجلس النواب عند الضرورة، او طلب حل مجلس النواب واصدار مرسوم الحل، او طلب اعادة النظر في المراسيم والقوانين، او تأجيل انعقاد مجلس النواب، او اقتراح تعديل الدستور...

 

لذلك، تخلص "الجبهة" الى ان المعيار الذي يصح اعتماده لتحديد الصلاحيات التي يحق لمجلس الوزراء ان يمارسها وكالة عن رئيس الجمهورية طيلة خلو سدة الرئاسة انما هو التالي:

-      الصلاحيات الرئاسية التي تؤمن تسيير اعمال الدولة واستمرار السلطة الاجرائية: هي صلاحيات متاحة لمجلس الوزراء وكالة.

-      الصلاحيات الرئاسية اللصيقة بشخص رئيس الجمهورية والخاضعة لأستنسابه المطلق في ضوء رمزية الموقع وقسم اليمين الدستورية: هي صلاحيات غير متاحة لمجلس الوزراء وكالة.

 

اما الآلية الوحيدة التي يجب اعتمادها لممارسة الصلاحيات المتاحة، فهي وجوب توقيع رئيس مجلس الوزراء والوزراء جميعا عن رئيس الجمهورية، على القرارات والمراسيم الداخلة ضمن هذه الصلاحيات، ذلك ان الاصيل واحد لا يتجزأ والوكالة انما هي معطاة من المشرّع الدستوري الى هيئة، هي مجلس الوزراء، وانه لا يصح اعتماد اي من الاكثريتين العادية او الموصوفة المنصوص عنهما في المادة 65 من الدستور لإتخاذ القرارات في المواضيع العادية او المواضيع الاساسية المحددة حصرا في المادة المذكورة، ذلك ان حالة الشغور الرئاسي وممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية لم تلحظهما المادة المذكورة، وان المبدأ يبقى اتخاذ القرارات توافقيا، اي بالاجماع، هذا المبدأ الذي يصبح واجبا مفروضا على رئيس مجلس الوزراء والوزراء جميعا عند ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، بشرط ممارسة هذه الصلاحيات في اجتماعات لمجلس الوزراء متوافر فيها النصاب الدستوري لإنعقادها صحيحا، كما هو محدد في المادة 65 من الدستور .

 

تبقى الإشارة إلى أنّه، بحسب الفقرة "6" من المادّة 64 من الدستور، يضع رئيسُ مجلس الوزراء جدولَ أعمال مجلس الوزراء "ويُطلع رئيسَ الجمهوريّة مسبقاً على المواضيع التي يتضمّنها وعلى المواضيع الطارئة التي ستُبحث". إلا أنّ العرفَ الدستوريّ الذي نشأ عن الممارسة الفعلية منذ التعديلات الدستوريّة المنبثقة من اتفاق الطائف، استقر على اعتبار ان حقَ رئيس الجمهوريّة بالاطّلاع على جدول الاعمال يشمل مناقشته والمشاركة في وضعه واضافة بنود اليه والاعتراض على أخرى، ما يعني أنّ هذا الحقَّ ينتقل إلى مجلس الوزراء وكالةً حال خلو سدّة الرئاسة. لذلك يوضع جدولَ أعمالِ مجلس الوزراء بالتفاهم بين رئيس مجلس الوزراء والوزراء جميعا.

 

 

رابعا- الشغور في سدّة الرئاسة وجواز التشريع خلال فترة الشغور:

 

تدرك "الجبهة" ان ثمة انقساما في الرأي حول جواز ممارسة مجلس النواب اختصاص التشريع وسدّة الرئاسة في حال شغور، لا سيما ان هذا الاختصاص هو الاختصاص الاساس الذي تتولاه هيئة واحدة هي مجلس النواب عملا بالمادة 16 من الدستور، وان هذا الانقسام مرده  بصورة خاصة الى تفسير المادتين 74 و75 من الدستور، وقد اثير في اجتماعات "الجبهة" المخصصة لمقاربة هذا الموضوع.

 

غير ان "الجبهة" لا يسعها الا التوقف على ما سبق ايراده في هذا الرأي  لجهة سمو الصيغة والميثاق سائر الاعتبارات والنصوص والاجتهادات، سيما وان المجلس الدستوري ذاته قد غلّب المقاربة الميثاقية لابطال قانون باعتماده عفوا سببا للابطال يتعلق بمخالفة هذا القانون المطعون فيه  المادة 19 من الدستور.

 

وبما ان قرارات المجلس الدستوري ملزمة لجميع السلطات، بما فيها مجلس النواب الذي يبطل المجلس الدستوري نصوصا تشريعية اقرها،

 

وبما انه سبق للمجلس الدستوري في قراره رقم 1/2005 تاريخ 6/8/2005، بالمراجعة الرقم 12/2005 بابطال القانون الرقم 679 تاريخ 19 تموز 2005 المتعلق بتأجيل النظر بالمراجعات امام المجلس الدستوري، ان اثار عفوا سببا للابطال مرده مخالفة القانون المذكور المادة 19 من الدستور، ذلك ان هذا القانون كان قد اقر في وقت كانت الحكومة معتبرة مستقيلة عند بدء ولاية مجلس النواب عملا بالفقرة "هـ" من المادة 69 من الدستور،

 

وبما ان المجلس الدستوري قد نحا بنفسه في حينه عن اشكالية قيام مجلس النواب بالتشريع في ظل حكومة مستقيلة، ورأى ان حق رئيس مجلس الوزراء المستقيل بالطعن بالقانون الذي يشارك بتوقيعه رئيس الجمهورية في مرسوم اصداره لا يدخل في المفهوم الضيق لتصريف الاعمال، لانه عمل انشائي بامتياز وغير اجرائي، طالما ان من شأنه ان يؤدي الى ابطال هذا النص التشريعي واحداث وضع قانوني مغاير بنتيجة هذا الابطال،

 

وبما ان المجلس الدستوري قد رأى ايضا، في قراره اعلاه، ان حرمان رئيس مجلس الوزراء المستقيل من حقه الدستوري بالطعن بنص تشريعي يفتح كوة في النص المذكور يتسلل منها اليه عيب عدم الدستورية بمجرد انتفاء احدى الحالات، على قلتها، بممارسة المجلس الدستوري اختصاصه المحفوظ له دستورا بمراقبة دستورية القوانين، ما يجعل من استبعاد رئيس مجلس الوزراء المستقيل من دائرة المراجع التي يحق لها ان تمكّن المجلس الدستوري من القبض على اختصاصه المذكور، سببا لابطال هذا القانون كليا لمخالفته المادة 19من الدستور، سيما ان مهلة الطعن بالقانون المذكور قد تنقضي قبل ان ينتقل حق الطعن الى الخلف،

 

وبما ان "الجبهة" قد انتهجت المنهج ذاته في المقاربة بموضوع التشريع في حال خلو سدّة الرئاسة، وهي تعتبر ان استبعاد رئيس الجمهورية حكما، بفعل خلو سدة الرئاسة، من دائرة المراجع التي يحق لها مراجعة المجلس الدستوري لابطال قانون ما، انما هو سبب دستوري يحول دون ممارسة مجلس النواب اختصاص التشريع،

 

وبما ان "الجبهة" تعزز رأيها هذا بالمقاربة المتطورة للعمل التشريعي الذي لم يعد معه القانون مجرد العمل المعبر عن ارادة الشعب، على ما كانت عليه القاعدة تقليديا، ذلك ان هذه القاعدة اضحت، بفعل انشاء المجلس الدستوري وتحديد اختصاصه في الدستور بمراقبة دستورية القوانين، "ان القانون لا يمثّل الارادة العامة الا بقدر توافقه واحكام الدستور"،

 

وبما انه من شأن الشغور في سدّة الرئاسة وانتفاء صلاحية  مراجعة المجلس الدستوري لابطال قانون ما لعدم دستوريته، من شأنهما المس بالصيغة والميثاق بسبب عدم وجود المرجعية الاولى في الدولة، الضامنة احترام دستور الامة اللبنانية وقوانينها،

 

وبما ان "الجبهة" تشاطر رأي هيئة التشريع والاستشارات تاريخ 26/6/2013 في ما خص التشريع في ظل استقالة الحكومة، حيث رأت الهيئة المذكورة اجازة التشريع استثنائيا في "حال الضرورة التي تعرّض الدولة او مؤسساتها للخطر او عندما يجب اصدار قوانين تتوقف عليها ممارسة او حماية حقوق دستورية"،

 

وبما ان "الجبهة" ترى ان ما يندرج في سياق الاستثناء والضرورة وحماية الحقوق الدستورية، هو من قبيل النصوص التشريعية التي من شأنها التقيد بالمبادىء الميثاقية والدستورية، كما باحكام الدستور، على غرار اقرار قانون جديد لانتخاب اعضاء مجلس النواب يراعي القواعد التي تضمن العيش المشترك بين اللبنانيين ويؤمن صحة التمثيل السياسي لشتى فئات الشعب واجياله والمناصفة الفعلية في هذا التمثيل،

 

لذلك، ترى "الجبهة" انه لا يحق لمجلس النواب التشريع حال خلو سدّة الرئاسة، الا عند توافر الاستثناء المشروح اعلاه، الذي يبقى تقدير توافره للنواب انفسهم.

 

خامسا- الشغور الرئاسي والتفلّت من الضوابط والآليات الدستورية المتصلة بانتخاب الرئيس او التعديل الدستوري:

 

ترى "الجبهة" ان ادهى ما يمكن ان يتأتى عن الشغور في سدّة الرئاسة التحرر من الضوابط والآليات الدستورية المتصلة بانتخاب رئيس الجمهورية او بالتعديل الدستوري، ذلك ان الشغور الرئاسي لا يبرر على الاطلاق تجاوز الدستور في مسألتين اساسيتين:

 

1-  عند انتهاء الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية من دون انتخاب رئيس، كما هي الحال، لا يعفى اي مرشّح تنطبق عليه الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور من الموجبات والمحظورات التي تفرض عليه، كأن يحرر هذا المرشح في حال كان قاضيا او موظفا من الفئة الاولى وما يعادلها في جميع الادارات العامة والمؤسسات العامة وسائر الاشخاص المعنويين في القانون العام، من موجب الاستقالة والانقطاع الفعلي عن وظيفته قبل سنتين على الاقل من تاريخ انتهاء الولاية الرئاسية. ان الحجّة بأن الشغور لا يمكن ترقبه قد تصلح في حال كان الشغور في سدّة الرئاسة متأتيا عن وفاة الرئيس او عجزه الصحي او استقالته او فقدانه، الا انها لا تصلح على الاطلاق في حال تأتى الشغور عن انتهاء الولاية الدستورية من دون التمكن من انتخاب خلف للرئيس المنتهية ولايته، ذلك ان تاريخ انتهاء الولاية الدستورية انما هو تاريخ ثابت بقوة الدستور ومعروف ومرتقب بامتياز. ان العبرة في الترقب هي لإنتهاء الولاية وليس لواقع الشغور.

 

 

 

2-  ان تعديل الدستور، لاي جهة كانت، يجب ان يتم صراحة وفقا للآلية المنصوص عنها تفصيلا في الدستور، ما يعني ان التعديل الضمني هو تدبير خارج تماما عن الدستور وعليه، فضلا عن عدم اتاحته اصلا نتيجة عدم جواز التشريع الدستوري حال خلو سدة الرئاسة.

 

"الجبهة الوطنية لحماية الدستور والقانون"

 

الاعضاء الموقعون على الرأي: السادة سليم جريصاتي- شكيب قرطباوي- عصام نعمان- جورج قرم- يعقوب الصراف- لبيب زوين- عبدالله بو حبيب- كميل حبيب- وليد عبد الرحيم- عقل عقل- عصام اسماعيل- حيان حيدر- - خالد الخير- زياد حمادة- عادل يمين- خليل حماده- عبدو سعد.