Monday, January 27, 2014

الرأي حول عدم ممارسة الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة او بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة، الا بالمعنى الضيّق لتصريف الاعمال


الجبهة الوطنية لحماية

   الدستور والقانون

الرأي رقم: 1/2013

تاريخ: 19/11/2013

 

الموضوع: بيان الرأي حول عدم ممارسة الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة او بعد استقالتها او اعتبارها مستقيلة، الا بالمعنى الضيّق لتصريف الاعمال (م 64 فقرة 2 دستور).

ان الجبهة الوطنية لحماية الدستور والقانون، الملتئمة في مقرها في "مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية"، تداولت بالموضوع المبين أعلاه واطلّعت على دراسات بشأنه موضوعة من عدد من أعضائها، كما قرارات اجتهادية لبنانية وفرنسية واراء صادرة عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، وقررت بالإجماع في ضوء هذين التداول والاطلاع، ابداء الرأي التالي:

أولا: ان تصريف الاعمال هو بحدّ ذاته تضييق لولاية السلطة الاجرائية، الا انه لا يعني انكفاء تاما لهذه السلطة عن ممارسة الصلاحيات المنوطة بها دستورا، بدليل ما ورد حرفيا في المادة 64 فقرة 2 من الدستور من ان الحكومة "تمارس ...صلاحياتها" بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال، ذلك ان المقصود المزاوجة بين مبدأين: مبدأ استمرارية الحياة الوطنية principe de la continuité de la vie nationale او ما يعرف اكثر تداولا بمبدأ استمرارية السلطات الدستورية او المرافق العامة، ومبدأ المساءلة البرلمانية للحكومة عن سياستها العامة، والوزراء افراديا عن افعالهم الشخصية (م 66 دستور)، الامر غير المتاح بالنسبة للحكومة المستقيلة او المعتبرة مستقيلة او التي لم تنل ثقة مجلس النواب بعد، او اعضائها (دون ان يعني ذلك انكار اختصاص مجلس النواب باتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء في حكومة تصريف الاعمال عند ارتكابهم الخيانة العظمى او إخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، عملا بالمادة 70 من الدستور).

ثانيا: ان تصريف الاعمال يفترض، والحالة ما سبق، ان المرحلة الانتقالية بين الحكومة المنقوصة الولاية والحكومة الكاملة الولاية الاجرائية هي بطبيعتها قصيرة نسبيا او مؤقتة ولا يجوز ان تدوم اكثر من مدة معقولة، حتى اذا طالت ( كما هي الحال بالنسبة للحكومة الحالية التي تصرّف الاعمال منذ ثمانية اشهر تقريبا)، توسّع تصريف الاعمال ليشمل ما من شأنه الخروج من الاستثناء كي لا يتحول الى مبدأ من طريق ادامة حالة التصريف، لا سيما فيما يتعلق بمصالح الشعب وعمل مؤسسات الدولة واداراتها على انواعها، فيصبح الضروري من الاعمال اكثر ضرورة والحاحا.

ثالثا: ان تحديد مفهوم تصريف الاعمال، خلال المهلة المعقولة التي تسبق تأليف حكومة ونيلها الثقة وايلائها الولاية الاجرائية الكاملة، هو من نتاج الاجتهاد الاداري اللبناني والفرنسي، وفقا لما يلي:

1-  يحق للوزراء افراديا، بل يجب عليهم، تسيير الاعمال اليومية والعادية في الادارات التابعة لهم، وهي اعمال عادية بطبيعتها تعدّها الدوائر التابعة للوزير الذي يكتفي عادة بتوقيعها بعد اجراء رقابته عليها.

2-  لا يحق للوزراء افراديا او مجلس الوزراء القيام بالأعمال التصرفية، اي الاعمال التي ترتب مسؤولية سياسية على الحكومة والوزراء من جرائها، والاعمال التي ترتب اعباء جديدة على الدولة او تؤدي الى صرف اعتمادات هامة او تحدث تغييرا جوهريا في سير المصالح العامة أو في اوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

3- يجب على الوزراء افراديا ومجلس الوزراء مجتمعا اتخاذ ما يلزم من مقررات واجراءات وتدابير عند توافر الضرورة أو العجلة أو الظروف الاستثنائية عندما يتعلق الموضوع بالنظام العام ومصالح الشعب الحيوية وأمن الدولة الخارجي او الداخلي ومصلحة لبنان العليا، او التي من شأنها الحؤول دون تقادم الحقوق العامة والخاصة بمرور الزمن المسقط في حال توافر مهل محددة في القوانين لممارستها.

4- ان قيام الوزراء او مجلس الوزراء بالإجراءات العادية او الاستثنائية اعلاه يبقى خاضعا لرقابة القضاء الاداري عند مراجعته.

5- ان "الموافقات الاستثنائية" بدعة دستورية تختزل سلطة مجلس الوزراء والوزير المعني معا، شكلا ومضمونا، كما تشرك رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية في حين انه يتولى رئاسة الدولة، كل ذلك وفقا لإفادة موقعة من المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء منفردا.

6-  ان المرجع الصالح لاعتبار ان المهلة المعقولة لتأليف الحكومة، تمهيدا لأعمال ولايتها الدستورية بنيلها الثقة، قد أنقضت، ولم يعد بالإمكان المراوحة في حالة تصريف الاعمال بصورة ممنهجة تجافي مصلحة البلاد والعباد، او ان ثمة دواع ضرورية واستثنائية لانعقاد مجلس الوزراء لاتخاذ القرارات المناسبة لاستمرارية الحياة العامة وضمان مصالح الشعب وفقا لما سبق، انما هو رئيس الجمهورية باعتباره متوليا رئاسة الدولة عملا بالمادة 49 من الدستور، وهو الذي ناط به الدستور تقدير عنصر "الضرورة" او "امر من الامور الطارئة" او حتى الاستنساب بمعرض ممارسة اكثر من صلاحية، كترؤس مجلس الوزراء "عندما يشاء" او توجيه رسائل الى مجلس النواب "عندما تقتضي الضرورة"، او "عرض اي امر من الامور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الاعمال"، او "دعوة مجلس الوزراء استثنائيا كلما رأى ذلك ضروريا" بالاتفاق مع رئيس الحكومة (م 56 دستور). ان رئيس الجمهورية هو الساهر على احترام الدستور والقاسم يمين الاخلاص لدستور الامة اللبنانية وقوانينها.

رابعا: من المفيد عدم البقاء في دائرة البحث الدستوري النظري واعطاء امثلة عملية عن مواضيع تتوافر فيها عناصر العجلة والضرورة ومصلحة لبنان العليا:

-       الملف النفطي: يكفي في هذا السياق اقتباس ما ورد حرفيا في بيان الهيئات الاقتصادية تاريخ 13/11/2013 من ان المجتمعين تداولوا في السجال السياسي القائم بين القوى السياسية حول النفط ووجدوا فيه "هروبا الى الامام باعتبار ان الحل الوحيد يبقى في الشروع فورا في استثمار ثرواتنا النفطية والغازية العائمة في البحر ، وبإقرار المراسيم المسهلّة لذلك خصوصا في ظل مباشرة العدو الاسرائيلي في استخراج النفط والغاز والاستعداد لتصديره، الامر الذي سيحرم لبنان مستقبلا من المنافسة في حال بقيت الامور على ما هي عليه اليوم".

-      الوضع الامني الذي يزداد ترديا وخطورة على مساحة الوطن، لا سيما في طرابلس وعلى الحدود الشرقية التي تشهد اعمالا عسكرية خطيرة، وفي ظل التفجيرات الارهابية التي تحصد المدنيين، وآخرها التفجير الانتحاري الذي استهدف سفارة الجمهورية الاسلامية الايرانية.

-      الوضع المالي في ضوء تخفيض تصنيف لبنان الائتماني منذ ايام الى معدل ينذر بعواقب خطيرة لجهة كلفة الاستدانة لدفع الاستحقاقات الداهمة على الدولة اللبنانية وتعاظم الدين العام وتأثر المصارف اللبنانية بهذا التصنيف المتدني بصورة مباشرة او غير مباشرة.

-      تفاقم اللجوء السوري وتبعاته وتداعياته على الصعد كافة، لا سيما الامنية والاجتماعية والاقتصادية.

-      مؤتمر جنيف 2 وتقرير موقف لبنان من بنود جدول اعماله في حال توجيه الدعوة الى مشاركته فيه.

خامسا: اما ان تنسحب حالة تصريف الاعمال على مجلس النواب الذي ناط به الدستور السلطة المشترعة، سواء في العقود العادية (م 32 دستور) او في دورة الانعقاد الاستثنائية الحكمية التي يصبح مجلس النواب في دائرتها عند استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة (م 49 دستور)، فأمر فيه كل التطاول على سلطة التشريع للأسباب التالية:

1-  ان مبدأ فصل السلطات وتعاونها وتوازنها يفترض حتما ان تكون السلطات عاملة، اي ممارسة لاختصاصاتها كاملة، فيستقيم عندها فصلها وتعاونها وتوازنها. لا يمكن شلّ سلطة دستورية عن العمل بحجة ان سلطة دستورية اخرى لا تعمل بولاية كاملة وفقا لأحكام الدستور .

2-  ان المادة 31 من الدستور تعتبر كل اجتماع يعقده مجلس النواب في غير المواعيد القانونية باطلا حكما ومخالفا للقانون، ما يعني ان اجتماع المجلس في العقود الاستثنائية الحكمية هو اجتماع قانوني بمفهوم الدستور.

3-  تبقى مسألة جدول اجتماع مجلس النواب في العقد الاستثنائي الحكمي المنصوص عنه في الفقرة (3) من المادة 69 من الدستور، حيث ان انكار سلطة التشريع على مجلس النواب الذي ناطها به الدستور حصرا، لا يستقيم بغياب نص دستوري صريح، كما هي الحال مثلا عند التئام مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، حيث تعتبر المادة 75 من الدستور انه يعتبر حينئذ هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية، ويترتب عليه الشروع فورا في انتخاب الرئيس دون مناقشة او اي عمل آخر.

4-  ان اختصار دورة الانعقاد الاستثنائية والحكمية المنصوص عنها في الفقرة 3 من المادة 69 من الدستور على تأهب المجلس، في حال لم يكن في دورة انعقاد عادية، للمشاورات النيابية التي يجريها رئيس الحكومة المكلف او لجلسة البيان الوزاري للحكومة الجديدة لمنح الثقة او حجبها، لا يتوافق هذا الاختصار وشمولية النص الذي لم يذكر اي شرط او تقييد او استثناء لاختصاص مجلس النواب التشريعي المناط به حصرا.

5-  ان يعطى رئيس الحكومة المكلف بالمطلق (بمعنى اي رئيس مكلّف، مهما حسنت نواياه او ساءت)، التي تقتصر حيثيته الدستورية على اجراء الاستشارات النيابية لتأليف الحكومة وتوقيع مرسوم التأليف مع رئيس الجمهورية، تمهيدا لتقدم الحكومة من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تأليفها، سلطة فعلية تتجاوز هذه الحيثيات الى اسر السلطة الاجرائية عن طريق ادامة حالة تصريف الاعمال، ومجلس النواب ايضا عن طريق انكار سلطته التشريعية في العقود العادية او الاستثنائية الحكمية، في حين انه – اي الرئيس المكلف – يمكنه ان لا يقدم على التأليف لأي سبب كان وأن لا يعتذر وهو متفلت من اي ضابط زمني على ما أسلفنا، هو تجاوز لاتفاق الطائف من حيث انه ميثاق عيش مشترك ومشاركة فعلية بين مكونات الشعب اللبناني في صناعة القرار الوطني.

6-  يبقى ان على رئيس الحكومة، تحت طائلة تجاوز الوثيقة والدستور، ان يدعو مجلس الوزراء الى الانعقاد في الحالات الموصوفة أعلاه، وان لا يقيّد الوزراء بتعاميم تجبه المبادئ والنصوص والاجتهادات المشروحة في متن هذا الرأي.

سادسا: ان المقارنة مع التجربة البلجيكية قد تكون مفيدة ، الا انه يبقى ان النظامين السياسيين مختلفان، ذلك ان النظام البلجيكي اتحادي، وان اللامركزية الادارية والمالية الموسعة في الاقليمين تعوض عن كثير من القرارات الاتحادية. بالرغم من ذلك بادرت الحكومة البلجيكية المستقيلة على مدى اكثر من سنة الى اتخاذ مقررات واجراءات وتدابير بإسم مصلحة الدولة العليا، تخرج كليا عن تصريف الاعمال، بحجة انها تصب في خانة الدولة العليا.

هذا ما اقتضى بيانه

سليم جريصاتي

وزير العمل

 

أعضاء الجبهة المجمعون على الرأي: معالي الوزير شكيب قرطباوي – معالي الوزير سليم جريصاتي - معالي الدكتور عصام نعمان – معالي الدكتور جورج قرم – الرئيس لبيب زوين – الرئيس سليم سليمان – الرئيس فوزي ابو مراد - السفير عبدالله بو حبيب – السفير الدكتور جوي تابت – الدكتور خليل حماده - الدكتور خالد الخير - الدكتور وليد عبد الرحيم -الدكتور كميل حبيب – الدكتور عقل عقل – الدكتور مارون يزبك – الدكتور عصام اسماعيل – الدكتور حيّان حيدر – الاستاذ عادل يمين – الاستاذ زياد حمادة.