مجلس الأمن الدولي وقضايا الشرق الأوسط الساخنة
بقلم الدكتور وليد عبد الرحيم
(محاضرة القيت في ندوة نظمتها جامعة بيروت العربية في
لبنان، في أيار 2010 بمناسبة تولي لبنان رئاسة مجلس الأمن الدولي)
يعتبر حفظ السلم والأمن الدوليين المشكلة الأهم التي تواجه المجتمع
الدولي. ولا غرابة أن يكون هذا الأمر
المقصد الرئيسي لإنشاء منظمة الأمم المتحدة في العام 1945. وهذا المقصد يمثل الشرط الأساسي لتحقيق مقاصد
المنظمة الأخرى. ولأهمية هذا المقصد فإن
مؤسسي المنظمة قد ركزوا عليه في الميثاق وخصصوا له الوسائل والإجراءات اللازمة
لتحقيقه. ومنذ نشأتها ومنظمة الأمم
المتحدة تواجه الأزمات الدولية المهددة للسلم والأمن الدوليين وتحاول إيجاد حلول
لها أو التخفيف من وطأتها أو مفاعيلها مستخدمة شتى الوسائل والأمكانيات المتاحة لهذا
الغرض.
من أولى
القضايا الشائكة التي واجهت الأمم المتحدة منذ إنشائها، والتي ما زالت من القضايا
الساخنة في وقتنا الحاضر دون أن تتمكن هذه المنظمة من إيجاد حل لها، القضية
الفلسطينية. وتكمن أهمية هذه القضية ليس
بكونها فقط القضية المركزية للعالم العربي، بل بكونها سبب كل الاحداث التي جرت
وتجري في الشرق الأوسط والقضايا الناتجة عنها.
وكان إنشاء الكيان اليهودي في فلسطين عام 1948 فاتحة تلك الاحداث في الشرق
الأوسط. فكانت الحروب العدوانية التي شنها
هذا الكيان: حرب 1948 والعدوان الثلاثي في العام 1956 وعدوان العام 1967 وحرب
العام 1973 والإعتداءات والحروب العدوانية المتكررة على لبنان منذ العام 1968
والذي كان آخرها عدوان 2006 والعدوان على غزة في 2008-2009.
إضافة إلى
هذه االقضية الساخنة والشائكة، وتوابعها، التي تواجه الأمم المتحدة هناك قضايا
أخرى تتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ، لا تقل سخونة عنها، لا تزال عالقة أمام الأمم
المتحدة. وهذه القضايا هي: قضية البرنامج النووي الإيراني وقضية إحتلال العراق
وقضية الإعتداءات الإسرائيلية المتكررة على لبنان.
إن تجربة الأمم المتحدة الخاصة بحفظ السلم
والأمن الدوليين لا يمكن إعتبارها ناجحة على الإطلاق، خاصة فيما يتعلق بقضايا
الشرق الأوسط. ليس هذا تجنياٌ، بل حقيقة
أظهرها الواقع المعاش. أمام هذه الحقيقة
يطرح السؤال عن كيفية تعاطي الأمم المتحدة، خاصة مجلس الأمن الدولي، مع هذه
القضايا. قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد
لنا من التطرق أولاً نظرياً إلى دور الأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن، في حفظ
الأمن والسلم الدوليين.
أولاً: دور مجلس الأمن في حفظ السلم والأمن
الدوليين
إن أهم
التبعات الملقاة على عاتق مجلس الأمن الدولي تلك المتعلقة بحفظ الأمن والسلم
الدوليين. فأعضاء منظمة الأمم المتحدة هم
الذين عهدوا اليه ، بمقتضى المادة 24 من الميثاق، بالتبعات الرئيسية في هذا
الخصوص. ولتمكين مجلس الأمن القيام
بواجباته وتبعاته الرئيسية فقد خوله ميثاق الأمم المتحدة بسلطات خاصة مبينة في
الفصلين السادس والسابع.
(1) الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة: يحتوي
هذا الفصل على نظام الأمم المتحدة الخاص بالتسوية السلمية للنزاعات الدولية. وفقاً لأحكام هذا الفصل فإن السبيل الأول
لأطراف النزاع الدولي هو أن يلتمسوا حله بأنفسهم بالطريقة السلمية التي يخترونها،
وعلى وجه لا يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، وأنه في حال فشلهم بتسوية نزاعهم
سلمياً، يمكن للأمم المتحدة التدخل لإيجاد الحل.
وبما أن التبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدوليين تقع على عاتق مجلس الأمن، فعلى هذا المجلس أن
يتدخل ويمارس سلطاته المبينة في هذا الفصل.
بمقتضى
هذا الفصل يمكن لمجلس الأمن إتباع أربع طرق عمل.
أولاً، وفقاً للفقرة 2 من المادة 33، يمكن لمجلس الأمن أن يدعو أطراف
النزاع أن يسووا ما بينهم بالوسائل السلمية المبنية في الفقرة 1 من نفس
المادة. ثانياً، وفقاً للمادة 36، يمكن
لمجلس الأمن أن يوصي بما يراه ملائماً من الإجراءات وطرق التسوية.
ثالثاً، وفقاً للفقرة 2 من المادة 37، يمكن لمجلس الأمن أن يوصي بما يراه
ملائماً من شروط حل النزاع. ورابعاً، يمكن
لمجلس الأمن أن يقدم توصياته بقصد حل النزاع حلاً سلمياً.
وبما أن أهلية مجلس الأمن للتدخل في حال أي نزاع يعتمد على كون النزاع من
النوع الذي من شأن إستمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدوليين للخطر، يمكن لمجلس
الأمن وفقأ للمادة 34 أن يجري تحقيقاً ليقرر هذه الطبيعة. في حال قرر المجلس ذلك، يمكنه أن يتدخل في النزاع
ويتبع أياً من الطرق المنصوص عليها في الفصل السادس من الميثاق. فإجراء التحقيق يعتبر خطوة أولى قبل المباشرة
بأعمال التسوية السلمية للنزاعات الدولية.
(2) الفصل السابع من ميثاق الأمم
المتحدة: يجيز هذا الفصل لمجلس الأمن
معالجة حالات التهديد للسلم أو الإخلال به، أو وقوع العدوان، وإتخاذ ما يلزم من
إجراءات الأمن الجماعي القسرية لحفظ السلم والأمن الدوليين أو إعادتهما إلى
نصابهما. فلمجلس الأمن السلطة بأن يقدم في
تلك الحالات توصياته أو يقرر ما يجب إتخاذه من التدابير طبقاً لأحكام المادتين 41
و42.
بمقتضى
المادة 41 يمكن لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب إتخاذه من التدابير التي لا تتطلب
إستخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وتشمل هذه التدابير وقف الصلات الاقتصادية
والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من
وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية.
وبمقتضى المادة 42 يمكن لمجلس الأمن أن يقرر إستخدام ما يلزم من الأعمال
العسكرية عن طريق القوات الجوية والبحرية والبرية.
إلا أن على مجلس الأمن، وقبل إتخاذ أي إجراء وفقاً للمادتين 41 و42، إتباع
خطوات معينة تعتبر شرطاً مسبقاً لتطبيق الفصل السابع من الميثاق. على المجلس وفقاً للمادة 39 أن يقرر ما إذا كان
قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به، أو كان ما وقع عملاً من أعمال العدوان. وعليه وفقاً للمادة 40 أن يدعو المتنازعين
للأخذ بما يراه ضرورياَ أو مستحسناً من تدابير مؤقتة منعاً لتفاقم الموقف.
ثانياً: كيفية معالجة مجلس الأمن لقضايا الشرق
الأوسط الساخنة
سأكتفي في
هذه العجالة فقط بتناول أربعة قضايا من القضايا الساخنة المتعلقة بالشرق الأوسط،
ألا وهي القضية الفلسطينية وتوابعها، قضية الحروب العدوانية والإعتداءات المتكررة
على لبنان، القضية العراقية من غزو الكويت إلى إحتلال العراق، وقضية البرنامج
النووي الإيراني.
القضية الفلسطينية وتوابعها: في
بداية عرض القضية الفسطينية على الأمم
المتحدة عام 1947 لم يتدخل مجلس الأمن بالموضوع وترك أمر معالجتها للجمعية
العامة. وبدء تعاطي الجمعية العامة للأمم
المتحدة، لأول مرة مع القضية الفلسطينية في دورتها الاستثنائية الأولى التي عقدت
في 28 نيسان/إبريل 1947، بناء لطلب الحكومة البريطانية، سلطة الانتداب على
فلسطين. وقتها قررت الجمعية العامة إنشاء
لجنة الأمم المتحدة لخاصة بفلسطين للتحقيق في جميع المسائل المتعلقة بمشكلة فلسطين
والتوصية بحلول ينظر فيها إثناء الدورة العادية للجمعية العامة في أيلول/سبتمبر
1947. قامت اللجنة بالتحقيقات اللازمة وتوصلت باتفاق اعضائها على مسألة إنهاء
الانتداب ومبدأ الاستقلال، وأوصت بغالبية أعضائها بتقسيم فلسطين إلى دولتين، عربية
ويهودية، على أن تكون مدينة القدس دولية
تحت السلطة الادارية للامم المتحدة. تبنت
الجمعية في دورتها العادية الثانية، بعد مناقشات حادة، مشروع التقسيم الذي أوصت به
اللجنة مع بعض التعديلات، وأصدرت قرارها رقم 181 (د-2) تاريخ 29 تشرين الثاني/
نوفمبر 1947. بصدور هذا القرار نشبت
أعمال عنف في فلسطين. وعندما تردى الوضع
في فلسطين تدخل مجلس الأمن، لا للقيام بمهامه والتدخل مباشرة بمعاجة القضية، بل
بدعوة الجمعية العامة إلى عقد دورة إستثائية لها لبحث الموضوع. عقدت الجمعية العامة دورتها الاستثنائية في 16
نيسان/إبريل 1948، ولكنها لم تتمكن من فعل إي شيئ، مما أجبر مجلس الأمن على التدخل
مباشرة، فأصدر قراراً في 17 نيسان/إبريل 1948 يدعو فيه إلى وقف جميع الانشطة
العسكرية وشبه العسكرية في فلسطين، وألحقه في 23 نيسان/إبريل بقرار ينشئ بمقتضاه
لجنة الهدنة للإشراف على وقف إطلاق النار والمساعدة على تحقيقه.
وعلى أثر
إعلان إنشاء الكيان اليهودي في 15 أيار/مايو 1948 ونشوب القتال بين العرب واليهود
ودخول الجيوش العربية إلى فلسطين، تدخل مجلس الأمن مجدداً ودعا في 29 أيار/مايو
1948 إلى هدنة مؤقتة، بدأ نفاذها في 11 حزيران/يونيه تحت إشراف وسيط الأمم المتحدة
بمساعدة فريق من المراقبين العسكريين، أصبح يعرف باسم هيئة الأمم المتحدة لمرابقة
الهدنة.
لم تفلح
مساعي وسيط الأمم المتحدة للتوصل إلى
إتفاق لتمديد الهدنة، وإندلع القتال مرة أخرى في 8 تموز/يوليه 1948. تدخل مجلس الأمن مجدداً وقرر في 15 تموز/يوليه
1948 أن الحالة في فلسطين تشكل تهديداً للسلم ، وأمر بقف النار وأعلن أن عدم الامتثال لذلك يعد إنتهاكاً سلام يستدعي
النظر في إتخاذ تدابير بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. وبموجب هذا القرار، بدأ نفاذ الهدنة الثانية.
وإندلع مزيد
من القتال في تشرين الأول/أكتوبر 1948، أدى ذلك إلى خلق إزمة إنسانية تتمثل بتهجير
ما يقارب 750 ألف فلسطيني من أرضهم. على
الرغم من تجاهل مجلس الأمن هذة الأزمة
الانسانية، تحركت الجمعية العامة وأصدرت
في 11 كانون الأول/ديسمبر 1948 القرار رقم 194 (د-3)، دعت فيه إلى السماح للاجئين
الذين يرغبون في العودة إلى منازلهم بالقيام بذلك في أقرب موعد ممكن عملياً،
والتعويض على من لا يرغب العودة عن ممتلكاته.
ودعى القرار إلى جعل مدينة القدس منزوعة السلاح وإلى تدويها وإلى حماية
الأماكن المقدسة في فلسطين وضمان حرية الوصول إليها. كما ودعى إلى إنشاء لجنة توفيق لفلسطين تابعة
للأمم المتحدة.
وإستمر
القتال في فلسطين خلال الأشهر الأولى من
العام 1949. وما بين شباط/فبراير وتموز/يوليه
1949، تم برعاية الأمم المتحدة التوقيع على إتفاقات الهدنة بين الكيان العدو من
ناحية، وكل من الدول العربية المعنية من ناحية ثانية، تضمنت هذه الاتفاقات إقامة
الهدنة. وفي آب/أغسطس 1949 أوكل مجلس
الأمن للمراقبين التابعين للامم المتحدة مراقبة الهدنة والاشراف عليها.
وعلى أثر
عدوان 1967 أصدر مجلس الأمن القراررقم 237 (1967) الذى دعا فيه إسرائيل إلى ضمان
سلامة ورفاه وأمن سكان المناطق التي جرت فيها العمليات العسكرية، وتسهيل عودة
النازحين، وطالب الدول المعنية باحترام المبادئ الانسانية. كما أصدر القرار رقم 242 (1967) الذي رسم فيه
مبادئ التسوية السلمية في الشرق الاوسط.
ونص القرار على أن إقامة سلام عادل ودائم يجب أن يتضمن: إنسحاب إسرائيل من
الأراضي العربية التي إحتلتها، إنهاء حالة الحرب، الاعتراف بسيادة كل دولة في
المنطقة وضمان حرمتها الاقليمية واستقلالها السياسي، إيجاد تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين،
وضمان حرية الملاحة عبر الطرق المائية في المنطقة.
يتبين من
مسار أحداث هذه القضية وموقف مجلس الأمن منها عدم فاعلية هذا المجلس. فمجلس الأمن تأخر في بداية عرض القضية
الفلسطينية على المنظمة الدولية في نيسان/إبريل 1947 رغم أهميتها وخطورتها على
الأمن والسلم الدوليين. فهو قد تخلى عن
مسؤوليته الرئيسية المتعلقة بحفظ الأمن والسلم الدوليين، وترك أمر التعاطي مع هذه القضية للجمعية العامة،
وتدخله لم يحصل إلا في نيسان/إبريل 1948، أي
متأخراً سنة كاملة. وأهم قرارين صدرا عن
الأمم المتحدة ويتعلقان بتسوية القضية الفلسطينية، قرار التقسيم، القرار رقم 181
(د-2) تاريخ 29 تشرين الثاني/ أكتوبر، والقرار المتعلق بعودة اللاجئين الفلسطينيين
إلى منازلهم، القرار رقم 194(د-3) تاريخ 11 كانون الأول/ديسمبر 1948، قد صدرا عن
الجمعية العامة وليس عن مجلس الأمن. وكل
ما صدرا عن مجلس الأمن ما بين العام 1948 و1967 هي قرارات تدعو لوقف إطلاق النار
وقرار بتشكيل هيئة مراقبة الهدنة. والقرار
الوحيد المتعلق بتسوية الصراع العربي الإسرائيلي الصادر عن مجلس الأمن قد صدر بعد
عدوان 1967، وهو القرار رقم 242/1967 الذي
تضمن مبادئ التسوية السلمية في الشرق الاوسط.
ولتاريخه لم تفلح الأمم المتحدة من إجبار إسرائيل على تنفيذ هذه القرارات
وتسوية القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي. وما تحقق من تسوية بين كل من إسرائيل من جهة
وكل من مصر والأردن كان نتيجة وساطة الولايات المتحدة الآمريكية وليس تنفيذاً
لقرارات الأمم المتحدة.
في العام
1956 وعى أثر العدوان الثلاثي على مصر، فشل مجلس الأمن بالإطلاع بمسوؤلياته، مما
إستتبع تدخل الجمعية العامة بمقتضى إحكام "قرار ألإتحاد من أجل السلام"،
وإتخذت عدة قرارات بالخصوص في دورتها الطارئة الإستثنائية التي بدأت في الأول من
تشرين الثاني/نوفمبر 1956. في هذه القرارت طالبت بوقف إطلاق النار والتقيد ببعض
التدابير وإنشاء قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة. وأنتهت فصول هذه القضية ليس على يد الأمم
المتحدة بل بسبب الضغط الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية على إسرائيل بسبب
الأنذار السوفياتي.
قضية الحروب العدوانية والاعتداءات الاسرائيلية على
لبنان: لم يفلح مجلس الأمن من منع الحروب
العدوانية والاعتداءات المتكررة على لبنان من قبل إسرائيل. حتى أن القرارات التي تمكن من إصدارها، والتي
دائماً تأتي متأخرة وغير عادلة ومنصفة للبنان، لم يتمكن من إلزام اسرائيل على
تنفيذها، لا القرار 425 الذي صدر في 19 آذار 1978 على أثر
عدوان آذار 1978، ولا القرار 1701 الذي صدر على أثر حرب تموز 2006. لقد تم تحرير جنوب لبنان، باستثناء مزارع شبعا
وتلال كفر شوبا وقرية الغجر، بفضل المقاومة
في 25 أيار/مايو 2000، أي بعد أكثر من إثنين وعشرين عاماً على صدور القرار
425 – المناسبة التي إحتفلنا بها منذ أيام، وليس بجهود الأمم المتحدة أو ما يسمى
الشرعية الدولية التي هي شرعية القوي على الضعيف.
أما القرار 1701/2006 فإن بنوده المتعلقة بمزارع شبعا وتلال كفر شوبا وقرية
الغجر، ووقف الانتهاكات الأسرائيلية للأراضي والأجواء والمياه الإقليمية للبنان لم
تنفذ لتاريخه. ويبقى لبنان عرضة للإنتهاكات وللإعتداءات الإسرائيلية.
القضية العراقية، من غزو الكويت إلى إحتلال العراق: لم
يتأخر مجلس الأمن من التدخل عند غزو العراق للكويت في العام 1990. كان تدخل المجلس سريعاً وحاسماً، وتصرف وفق
الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وأصدر
حينها سلسلة من القرارات، كان أولها القرار رقم 660/1990 تاريخ 3 آب/أغسطس 1990 الذي
إعتبر فيه الغزو "خرق للسلم والأمن الدوليين"، وطلب من العراق سحب قواته
فوراً من الكويت. وألحق المجلس هذا القرار بالقرار رقم 661/1990 تاريخ 6
آب/أغسطس 1990 والقرار رقم 665/1990 تاريخ
25 آب/أغسطس 1990 الذي فرض بموجبهما عقوبات إقتصادية ومالية ودبلوماسية و حصاراً
بحرياً على العراق. وإنتهى المجلس بأصدار
القرار رقم 678/1990 تاريخ 29 تشرين الثاني/نوفمبر 1990 الذي أذن فيه للدول
باستخدام القوة ضد العراق لدعم وتنفيذ قراراته ذات الصلة. وإنتهت الأزمة بتحرير الكويت.
فيما يتعلق
بمزاعم إمتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، فإن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعط الفرصة
لمجلس الأمن لحل الأزمة سلمياً، فبعد أن فشلت باقناع أعضاء مجلس الأمن بتأييد
مشاريع القرارات الداعية لإستخدام القوة ضد العراق، تصرفت هي، ودون إذن من المجلس،
وشنت مع حلفائها حربها على العراق، فغزته وإحتلته في العام 2003. وبذلك تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد حرمت
مجلس الأمن الدولي من أن يمارس دوره ويتحمل مسؤوليته المتعلقة بحفظ الأمن والسلم
الدوليين. ومنذ هذا التاريخ يقتصر دور
الأمم المتحدة في العراق على بعض الشؤون الانسانية فقط.
قضية البرنامج النووي الآيراني: من
الملاحظ من مسار الأحداث أن موقف الأمم المتحدة من البرنامج النووي الإيراني لا
يتناسب مع موقف الأمم المتحدة من السلاح النووي الذي تملكه إسرائيل. فبرغم حيازة إسرائيل للسلاح النووي، ومن إمتناع
إسرائيل عن التوقيع على معاهدة عدم إنتشار الأسلحة النووية، فإن الامم المتحدة
وخاصة مجلس الأمن لم يقم بأي عمل تنفيذي ضدها، وهذا الموقف يتناقض مع قرارات الأمم
المتحدة بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. فالقرارات المباشرة المتعلقة بالتسلح النووي
الإسرائيلي صدرت عن الجمعية العامة، كالقرار رقم 89/34 للعام 1979، والقرار رقم
93/41 للعام 1986. في القرار الأول ذكرت
الجمعية العامة وصول معلومات وبراهين تأكد
جهود إسرائيل للحصول على السلاح النووي وأن ذلك يمثل خطراً كبيراً على أمن المنطقة
والأمن الدولي، وطالبت الدول التي تقوم بإرسال أسلحة نووية وتكنولوجية إلى إسرائيل
بالتوقف عن ذلك، وأكدت على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية. في القرار الثاني شجبت الجمعية العامة سياسة
إسرائيل وعملها الدؤوب لحيازة الأسلحة النووية.
أما مجلس الأمن فقد تجاهل الأمر، ولم يصدر عنه أي موقف بالخصوص. وانتهت فصول هذه القضية بالنسبة للأمم المتحدة
عند هذا الحد.
بالمقابل فإن
مجلس الأمن لم يتوان عن التدخل في قضية البرنامج النووي الإيراني وفرض العقوبات
على إيران. بهذا الخصوص أصدر المجلس ثلاث
قرارات: القرار رقم 1696 للعام 2006، والقرار رقم 1737 للعام 2006، والقرار رقم
1747 للعام 2007. في القرار رقم 1696
تاريخ 31 تموز/يوليو 2006 عبر مجلس الأمن عن بالغ القلق بما ورد في تقارير المدير
العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية وقرارات مجلس محافظي الوكالة المتعلقة
ببرنامج إيران النووي، وطالب إيران، بعد أن ذكر بأنه يتصرف بموجب المادة 40 من
الفصل السابع من الميثاق، بأن تعلق جميع إنشطتها المتصلة بالتخصيب وإعادة التجهيز،
وأن تخضع كل ذلك إلى التحقق من قبل الوكالة.
كما وأعلن المجلس التزامه في حالة عدم إمتثال إيران لهذا القرار، إتخاذ
التدابير الملائمة بموجب المادة 41 من الفصل السابع من الميثاق. وأكد المجلس بأن
يتخذ المزيد من القرارات عند الجاجة. في القرار
رقم 1737 تاريخ 23 كانون الأول/ديسمبر 2006 بعد أن لحظ المجلس أن إيران لم تقم
بتعليق كامل ومستمر لجميع أنشطتها المتصلة بالتخصيب على النحو الوارد في القرار
رقم 1696 للعام 2006، ولم تستأنف تعاونها مع الوكالة بموجب البروتوكول الاضافي، وبعد
أن أعرب عن تصميمه على إنفاذ قراراته بإعتماد التدابير المناسبة لإقناع إيران
بالامتثال إلى قراره السابق ومتطلبات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قرر أن تتخذ
جميع الدول التدابيرالضرورية للحيلولة دون توريد جميع الأصناف والمواد والمعدات
والسلع والتكنولوجيات التي من شأنها أن تسهم في أنشطة إيران المتصلة بالتخصيب، وأن
تتخذ أيضاً التدابير اللازمة لمنع تزود إيران بأي نوع من المساعدة المالية او
تدريب التقنيين، وأن تجمد الأموال والاصول والموارد الاقتصادية الايرانية التي
توجد على أراضيها. كما طالب القرار إيران
بالتصديق فوراً على البروتوكول الاضافي على معاهدة منع إنتشار الاسلحة النووية. وفي القرار رقم 1747 تاريخ 24 آذار/مارس 2007 كرر
المجلس مطالبه الواردة في القرارين السابقين، وذكر الدول بأن عليها المشاركة في
توفير المساعدة المتبادلة في تنفيذ التدابير التي قررها، وأهاب بجميع الدول
والمؤسسات المالية الدولية عدم الدخول في إلتزمات جديدة لتقديم منح ومساعدات مالية
وقروض تساهلية إلى حكومة إيران إلا إذا كان ذلك لأغراض إنسانية وإنمائية.
ولتاريخه لم
تنتهي فصول هذه القضية وهي مازالت من القضايا الساخنة المطروحة على مجلس
الأمن. وأمام هذا المجلس، هذه الأيام،
مسودة مشروع يتعلق بفرض عقوبات جديدة على إيران.
الخاتمة:
لا يمكن وصف
طريقة معالجة الأمم المتحدة، خاصة مجلس الأمن الدولي لقضايا الشرق الأوسط
بالناجعة. لتاريخه لم يتمكن المجلس من
التوصل إلى حل للقضايا الساخنة في الشرق الأوسط، هذه المنطقة ما زالت على فوهة بركان.
ونحن نعزي هذا الأمر للأسباب التالية:
1- طبيعة منظمة الأمم المتحدة: إن
المنظمة هي "تجمع دول" تستمد قوتها وصلاحياتها من تلك الدول. فهذه الطبيعة تبقى المنظمة رهينة الدول
الأعضاء، وعرضة لأهواء ومصالح هذه الدول.
وهذا ما يقيد ويحد المنظمة من أن تكون الأداة الدولية المستقلة عن إرادة
أعضائها.
2- تركيبة مجلس الأمن الدولي وحق النقض:
إن إنقسام الدول الكبرى وخلافاتها وتضارب مصالحها هي وراء إستخدام هذه
الدول لحق النقض الذي هو سبب رئيسي يعيق عمل الأمم المتحدة، ويؤدي إلى فشل هذه
المنظمة في تحقيق السلم والأمن الدوليين بصورة مرضية وعادلة.
3- إنحياز الولايات المتحدة لإسرائيل:
تمارس الولايات المتحدة الأمريكية سياسة الكيل بمكيالين في التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط، فهي منحازة بالكامل مع إسرائيل
وتمنع مجلس الأمن من أن يصدر إي قرار ضد إسرائيل، فيما تسهل صدور أي قرار يخدم
مصالح إسرائيل أو يصب في مصلحتها، وتجربة تعاطي مجلس الأمن مع قضايا الشرق الأوسط
أكبر برهان ودليل على سياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها الولايات المتحدة
الأمريكية.
بالنتيجة لا يتصرف مجلس الأمن الدولي في
معالجته لقضايا الشرق الأوسط بموضوعية، بل لإعتبارات مصالح دوله الكبرى. فإذا كان لهذه الدول مصلحة بالتدخل تدخلت،
وعملت جاهدة وبفاعلية على تمكين مجلس الأمن من التصرف، وإذا لم تر مصلحة لها أحجمت
عن التدخل ومنعت مجلس الأمن من التصرف والقيام بمسؤوليته في حفظ الأمن والسلم
الدوليين. هذه هي تجربتنا مع الأمم
المتحدة على وجه العموم ومجلس الأمن على وجه الخصوص.
عودة إلى مناسبة هذه الندوة والجواب المتعلق
بالموقف الذي يجب على لبنان، كعضو في مجلس
الأمن، إتخاذه بالنسبة لهذه القضايا نرى أن عليه، بعد الأخذ بعين الإعتبار الحقائق
التي ذكرناها وتجرية مجلس الأمن في
التعاطي مع قضايا الشرق الأوسط، ما يلي:
1- أن يكون صوت المجموعة العربية، بكل دولها، في مجلس الأمن، طالما هو ممثلها
فيه. عليه أن لا يأخذ أي موقف إلا بعد
التشاور مع الدول العربية، ويأخذ الموقف الجامع والموحد لهذه الدول.
2- أن يكون موقفه مسانداً للحقوق العربية وعاملاً على تحقيقها. عليه أن يسعى
لطرح القضايا العربية على مجلس الأمن لتصويب موقف هذا المجلس من القضايا العربية
وقضايا الشرق الأوسط ليكون منصفاً وعادلاً معها، وحثه على إتخاذ التدابير الكفيلة
لإجبار إسرائيل على تنفيذ كل قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
هنا نحن لا نطلب المستحيل، بل الحق
والعدل. غير أن تجربتنا مع مجلس الأمن
مريرة. وإعذروني إن تبنيت المثل العامي
الذي يقول " من جرب المجرب كان عقله مخرب". فأنا مقتنع أن الحق لا يسترد إلا بالقوة. والحق لا يكون حقاً في معترك الأمم إلا بقدر ما
يدعمه من قوة الأمة.