Monday, December 12, 2011

أفكار لنظام جديد للتعليم العالي أمام الجامعات العربية


أفكار لنظام جديد للتعليم العالي أمام الجامعات العربية*

د. وليد عبد الرحيم

أستاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية والادارية في الجامعة اللبنانية

    (محاضرة ألقيت في المؤتمر الرابع للجمعية العلمية لكليات الحقوق العربية الذي إنعقد في بيروت، 18-20 أيار 2004) 
يشهد التعليم العالي في العديد من الدول، وخاصة الدول الأوروبية، تحولات جذرية تتناول سلّم الشهادات وطرائق التدريس وتوصيف المقررات وأنظمة التقييم لتعلّم الطلاب. وتفرض هذه التحولات على الجامعات العربية ضرورة  العمل على إصلاح نظامها التعليمي الجامعي لتتوافق مع هذه الانظمة الجديدة المعتمدة، خاصة النظام الاوروبي الجديد، حتى لا تبقى متخلفة في هذا المضمارعن بقية الجامعات في العالم. 
وقبل أن نطرح تصورنا للنظام التعليمي العالي الجديد الذي نقترح أن تعتمده الجامعات العربية على وجه العموم وكليات الحقوق العربية على وجه الخصوص، لا بد لنا أولاً من عرض النظام الاوروبي الجديد، وثانياً من عرض الاسباب الموجبة لتحول الجامعات العربية للنظام الجديد الذي نتصوره.

أولاً:  النظام الأوروبي الجديد:

يهدف النظام الأوروبي الجديـد إلى صياغة قواعـد عامة تحكم التعليم العالي في مختلف الدول الأوروبية لتسهيل انتقـال الطلاب من دولـة إلى أخرى ومن جامعـة إلى أخرى ومن مسار أكاديمي إلى آخر مع احتفاظـه برأسمال أكاديمي مقيّم بوحدة قياس واحدة هي الرصيد (Credit - Crédit) ضمن نظام يرمي إلى توحيد مواصفات الشهادات الجامعية في مختلف البلدان الأوروبية ويُدعى الـ ECTS، تلخيصاً لعبارة European Credit  Transfer System (النظام الأوروبي لانتقال الأرصدة).
يقوم النظام الأوروبي الجديد على القواعد التالية:
1.    تقسيم التعليم العالي إلى ثلاثة مستويات: الإجازة والماستر والدكتوراه.
2.    يتمّ الحصول على كل شهادة بالحصول على عدد من الأرصدة وليس بالنجاح في سنوات أكاديمية.
3.    يتمّ الحصول على الإجازة بتحصيل 180 رصيداً وفقاً لقواعد محددة. كما يتمّ الحصول على الماستر بتحصيل 120 رصيداً بعد الإجازة وفقاً لقواعد محددة أيضاً. أما الدكتوراه فتلي الماستر وتتحدد بعمل لا يقل عن ثلاث سنوات.
4.    يتمّ تنظيم الدراسة على أساس الفصول الدراسية وتكون قيمة كل فصل دراسي 30 رصيداً.
5.    يتمّ تنظيم التعليم على أساس الوحدات التعليمية أو المقررات و يتمّ تخصيص كل مقرر بعدد من الأرصدة وفقاً للعدد الكلي للساعات التي يصرفها الطالب للحصول على هذا المقرر سواء منها ساعات الحضور (دروس نظرية، أعمال موجهة، أعمال تطبيقية) أو ساعات العمل الشخصي التي يخصّصها لهذا المقرر. وقد اعتمدت أكثرية الجامعات الفرنسية مبدأ أن يعادل الرصيد الواحد 20 ساعة مقسّمة مناصفة بين الحضور والجهد الشخصي (10 ساعات حضور و10 ساعات جهد شخصي).
6.    يستند النظام الأوروبي للأرصدة إلى القواعد التالية :
أ‌)       الأرصدة المحصّلة بامتحان قابلة للانتقال من بلد إلى آخر ومن جامعة إلى أخرى ومن مسار أكاديمي إلى آخر.
ب‌)  الأرصدة قابلة للرسملة بحيث يحتفظ الطالب نهائياً بالمقررات التي حصّلها بامتحان مهما كانت مدة دراسته.

ثانياً:  لماذا التحول إلى النظام الجديد؟

تقوم الجامعات العربية بوظائف ثلاث أساسية:
1.    نقل المعرفة: تحتاج المجتمعات العربية لتسيير أمورها وتطوير مختلف أوجه النشاط فيها إلى كادرات في مختلف الاختصاصات ومن مستويات مختلفة. وتلعب الجامعات العربية دوراً أساسياً في تكوين هذه الكادرات وتزويدها بالمعارف والمهارات الضرورية.
2.    إنتاج المعرفة: تشكل الجامعات العربية إطار القيام بالأبحاث الأكاديمية الأساسية والتطبيقية لحل المشكلات التي يطرحها تطور المجتمعات وإغناء ميادين المعرفة بمعارف جديدة ومبتكرة.
3.    الخدمة العامة (Service public) على صعيد التعليم العالي: تٌفسح الجامعات العربية المجال أمام كل راغب للحصول، ضمن شروط محددة، على الإعداد المناسب في التعليم العالي بما يؤمن ديمقراطية التعليم مع احترام مبدأ الكفاءة.
إن نجاح الجامعات العربية في القيام بوظائفها يتطلّب منها أن تقيّم بشكل دوري برامجها ومناهجها وطرائق التعليم والتقييم بما يساعدها على تحقيق أهدافها.  وهذا يتطلب منها العمل على إعتماد نظام تعليم عالي جديد يحقق اهدافها و يكون بنفس الوقت متوافقاً مع الأنظمة السائدة في العالم ولاسيما المجتمعات المتطورة في زمن العولمة واتساع مدى التواصل العلمي والمعرفي.

ثالثاً:  النظام الجديد المقترح:

       نقترح نظاماً جديداً للتعليم العالي يقوم على الأسس الرئيسية التالية:  

1.    سلم الشهادات الجامعية:

·        الإجازة (Licence بالفرنسية و Bachelor بالإنكليزية) تتكون من 180 رصيداً موزعة على ستة فصول دراسية بمعدل 30 رصيداً للفصل الواحد. وظيفة هذه الشهادة تأمين تكوين أساسي جيد للطالب في أحد الاختصاصات.
·        الماستر (Master بالفرنسية والإنكليزية) تتكون من 120 رصيداً موزعة على أربعة فصول دراسية بمعدل 30 رصيداً للفصل الواحد. وظيفة هذه الشهادة تأمين تخصص متـقدم للطالب في أحد الاختصاصات.
·        الدكتوراه (Doctorat بالفرنسية و PhD بالإنكليزية) لا تقل مدة تحضيرها عن ثلاث سنوات.

2.    الفصول الدراسية:

إعتماد الفصول الدراسية عوضاً عن السنة الدراسية، وفصلين في كل عام جامعي (أكاديمي).

3.     تقييم التحصيل بالأرصدة:

·        يُعتمد في تقييم ما يحصّله الطالب في الجامعة على تقييم مجمل الجهد الذي يبذله للتحصيل (ما بين ساعات متابعة للدروس النظرية والتطبيقية والأعمال الموجهة وساعات العمل الشخصي بما فيها تلك التي يخصصها لتحضير ما يُطلب منه والساعات التي يخصصها لمراجعة الدروس وتحضير الامتحان والتقدم إليه).
·        يُعتمد مبدأ التساوي بين ساعات الحضور وساعات العمل الشخصي بحيث يقابل كل ساعة حضور، على مستوى الأجازة، ساعة عمل شخصي. أما على مستوى الماستر فيمكن اعتماد تناسب آخر لأن الجهد الشخصي المطلوب من الطالب هو أكبر.
·        يُـقيّم تحصيل الطالب بوحدة قياس موحّدة هي الرصيد.
·        تُـقيّم كل 20 ساعة من مجمل جهد الطالب برصيد واحد.
·        إن اعتماد مبدأ 30 رصيداً للفصل الدراسي الواحد يُترجم بـ 300 ساعة حضور في الفصل الواحد على مستوى الإجازة.

4.    المقررات:

·        يعتمد النظام الجديد المقررات كوحدات تعليمية.  ويُشكل المقرر الوحدة التعليمية الأساسية ويتـناول موضوعاً واحداً على مدى فصل دراسي واحد.
·        يُخصص كل مقرر بعدد من الأرصدة وفقاً لعدد ساعاته تطبيقاً للقاعدة المحددة تحت عنوان "التقييم بالأرصدة".
·        يُراعى في صياغة المقررات أن لا يزيد عدد أرصدتها عن 6 أرصدة. كما يُفضّـل عدم تفتيت المقررات تسهيلاً لإدارة النظام.
·        تتكون كل إجازة من عدد من المقررات يكون مجموع أرصدتها 180 رصيداً.
·        تـُصنـّف المقررات التي تكـّون كل إجازة إلى : مقررات إلزامية ومقررات اختيارية بشروط محددة ومقررات حرة يختارها الطالب من بين المقررات التي توفرها مختلف كليات الجامعة.
·        يُحدد قرار إنشاء الإجازة المقررات الإلزامية بالاسم ومجموع أرصدة المقررات الاختيارية وشروطها ومجموع أرصدة المقررات الحرة.
·        لا يجوز أن يقل مجموع أرصدة المقررات الإلزامية في الإجازة عن 120 رصيداً ولا أن يزيد مجموع أرصدة المقررات الحرة عن 20 رصيداً.
·        يتم توصيف المقررات وفقاً لنموذج معين.

5.    طرائق التعليم:

يُشكّل انتقال الجامعات العربية إلى النظام الجديد خطوة مهمة باتجاه تحولّها إلى جامعات ذات مستوى عالمي معترف به. ولكي تتوصّل هذه الجامعات إلى هذا المستوى، عليها أن لا تكتفي بتعديل نظامها وإعادة هيكلة شهاداتها لتتوافق مع ما هو معمول به عالمياً. إن عليها أيضاً أن تغير في مفهومها للتعليم العالي فتتخلى عن التلقين وتتوجه نحو التكوين. إن عليها أن تقوم بتحديث الاختصاصات التي توفرها وتحديث محتوى المواد التعليمية كما أن عليها أن تُجدد في طرائق التعليم وطرائق التقييم. ولعل الفكرة الأساسية في هذا التوجه هي أن يكون الطالب محور العملية التعلّمية بحيث تزوده الجامعة بمفاتيح المعارف والمهارات من جهة وأساليب البحث والتعلّم الذاتي من جهة أخرى. إن هذا الانتقال يطرح أمام الأساتذة ضرورة مراجعة تعليمهم، محتوى وطرائق، بشكل فردي وبشكل جماعي توصلاً إلى تحقيق النقلة النوعية المطلوبة. وفي هذا الاتجاه:
·        يجب أن يتضمن كل مقرر جزءاً من ساعاته مخصصاً للأعمال التوجيهية و/أو التطبيقية (بمختلف أشكالها) و/أو الإنتاج الشخصي.
·        يجب أن تتم الأعمال الموجهة والأعمال التطبيقية في شعب صغيرة العدد (35 طالباً كحد أقصى) لكي يتمكن الأستاذ من الإحاطة بأعمال مجمل الطلاب ومتابعتهم.
·        يجب أن يكون حضور الأعمال الموجهة والأعمال التطبيقية والإنتاج الشخصي إلزاميا بمعدل لا يقل عن 80%. أما إلزامية حضور الدروس النظرية فيعود تقريرها إلى الكليات.

6.    التقييم:

·        يخضع كل مقرر إلى امتحان في نهاية كل فصل دراسي.
·        يتكون الامتحان النهائي لكل مقرر من مسابقة واحدة لا تتجاوز مدتها الساعتين. إن اعتماد مقررات متوسطة الحجم سوف يجعل من الممكن تطبيق ذلك مما يساعد على تنظيم عدة مسابقات للطلاب في اليوم الواحد.
·        التقييم المستمر: يرتبط اعتماد التقييم المستمر ارتباطاً وثيقاً بتوفر شعب صغيرة للأعمال الموجهة والأعمال التطبيقية؛ بحيث يقوم الأستاذ المكلف بالأعمال الموجهة أو التطبيقية في مقرر ما بتقييم طلابه باستمرار وفق قواعد تتحدد في بطاقة توصيف المقرر. وفي هذه الحالة، تتكون علامة المقرر من نسبة مئوية للتقييم المستمر ومن علامة الامتحان النهائي بالنسبة الباقية. أما المقررات التي لا تتوفر لها هذه الشروط فتشكل علامة الامتحان النهائي كامل علامة المقرر.

7.    قواعد التسجيل:

·        يقوم الطالب بالتسجيل الاكاديمي في بداية كل فصل دراسي.
·        يُحدّد الطالب في التسجيل الأكاديمي المقررات التي يرغب أن يتسجل فيها مع مراعاة قواعد الارتباط بالأسبقية.
·        لا يجوز للطالب أن يتسجل في مقررات يزيد مجموع أرصدتها على 30.
·        يحق للطالب الراسب في مقررات سابقة أن يتسجل، ابتداءً من الفصل الثالث، في مقرر إضافي زيادة عن الثلاثين رصيداً مع مراعاة قواعد الارتباط بالأسبقية.
8.    التوجيه الأكاديمي:
يتصف النظام الجديد بخاصية مهمة ألا وهي المرونة. غير أن المرونة تستتبع بطبيعتها التعقيد. لذا، على الجامعة  أن تساعد الطالب على الإبحار في هذا النظام. وتتم هذه المساعدة على مستويين:
الأول، قبل دخول الطالب إلى الجامعة: تـنظم الكليات، قبيل بدء السنة الدراسية، محاضرات توجيهية للطلاب الجدد يقوم خلالها عدد من الأساتذة بشرح نظام التعليم والتخصصات التي توفرها الكلية وكيفية تحديد الطالب لمساره بغية الحصول على الإجازة.
الثاني، طوال متابعته الدراسة في الجامعة: تـُنشأ في كل كلية فرق للتوجيه التربوي بمعدل فريق واحد لكل إجازة وفريق واحد لكل ماستر. تقوم هذه الفرق بمساعدة الطلاب على اختيار المقررات التي يتسجلون فيها وفقاً للمسار الذي اختاروه وللمقررات التي بحوزتهم. كما تقدم المساعدة للطلاب الراغبين في تعديل مساراتهم فتحدد لكل منهم المقررات التي يستطيع الاحتفاظ بها والمقررات التي عليه متابعتها.

9.    الماستر:

على الجامعات العربية أن توفر لطلابها نوعين من شهادات الماستر:
·        الماستر المهنية، بما في ذلك الماستر التعليمية، وتتلخص وظيفتها في إعداد كادرات عالية الكفاءة على الصعيدين النظري والتطبيقي لتنخرط في سوق العمل.
·        الماستر البحثية وتتلخص وظيفتها في إعداد الذين يتوجهون نحو البحث الأكاديمي بمفهومه الواسع بمن فيهم أولئك الذين يتوجهون لتحضير الدكتوراه وأولئك الذين سوف يتوجهون للعمل في مراكز الأبحاث.
يخضع إنشاء هذه الشهادة إلى عدد من القواعد التي تؤمن تحقيق الأهداف من إنشائها لجهة الجودة والتوافق مع حاجات النشاط الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي بكل تشعباته من ناحية والتوافق مع النظام الأوروبي الجديد من ناحية أخرى:
1.    يتمّ وضع منهاج كل ماستر بصورة متكاملة للفصول الأربعة.
2.     يتضمن منهاج كل ماستر عملاً شخصياً يقوم به الطالب منفرداً ويكون خاضعاً للتقييم. يأخذ هذا العمل أشكالًا مختلفة. فهو قد يكون رسالة ذات طبيعة بحثية يتعرف الطالب خلال تحضيرها على ماهية البحث الأكاديمي وطرائقه وأساليبه ويُطبّق هذه الطرائق والأساليب للقيام ببحث محدد. وقد يكون مشروع تخرج ينفذه الطالب ويهدف إلى حلّ مشكلة من المشاكل التي يطرحها تطور المجتمع. وقد يكون تدريباً طويل المدى (ثلاثة أشهر على الأقل) في مؤسسة تتعاطى أمور مهنة تتعلق بالاختصاص من أجل تدريب الطالب على التعامل مع شروط عمل حقيقية.
3.    تتحدد قيمة هذا العمل الشخصي بما يقارب 30 رصيداً وفقاً لطبيعة الماستر ونوع العمل المطلوب.

10.                      الدكتوراه:

على الجامعات العربية أن تعيد النظر في أنظمة الدكتوراه الحالية بما يتلاءم مع النظام الجديد.

هذه هي أهم الاسس والقواعد التي يجب أن يقوم عليها النظام التعليمي الجامعي






*   هذه الورقة مكتبسة عن الوثيقة الفنية التي أعدتها اللجنة العليا للبرامج والمناهج في الجامعة اللبنانية، ومقدمها  هو عضو في هذه اللجنة.